ذهبت لزيارة منال ابنة عمى وصديقتى المقربة، بعد فراق زاد عن 6 سنوات، اغتربت فيها عن مصر. تبادلنا الحديث عن ذكريات الصبا والشباب، وتغير الزمن، وجلسنا أمام ألبوم الصور العائلية، نتأمل «عمايل السنين». استقبلتنى منال، وابنها الدكتور خالد (25 سنة)، وابنتها ليلى (22 سنة) طالبة بكلية الهندسة بالجامعة الألمانية. انصرف خالد بعد 10 دقائق من الترحيب والمجاملات المهذبة، فقد كان مراهقا خجولا عندما سافر مع أمه إلى الخارج، وكانت ليلى طفلة جميلة تجلس معنا بالساعات، لذلك ظلت بجانبى تتعامل معى بحب وشوق. كنت سعيدة جدا بمشاعر ليلى وصورتها كفتاة عصرية، قوام متناسق، وشعر كستنائى منسدل، وعينان عسليتان، وعناية شديدة بالأناقة والماكياج. لم تجلس ليلى بجوار أمها، وفضلت أن تجلس بجانبى مثل القطة على طرف الكرسى، وكنت كلما أستأذن فى الانصراف تطلب منى ليلى بإلحاح أن أبقى، وفجأ قالت لها منال: انتى نسيتى ميعادك يا ليلى؟ ارتبكت البنت قليلا، وتغيرت ملامحها، فقلت بهزار: واضح ان فيه سر.. تحبى يا لولا أدخل الحمام عشان تحكوا مع بعض؟ ابتسمت ليلى بخجل وقالت: كويس إن مامى فتحت الموضوع عشان عاوزة آخد رأيك يا تانت، قولى يا مامى. وقالت منال: يا ستى أنا بافكرها بموعد للدكتور. قلت بقلق: خير؟ قالت: لا تقلقى، ده دكتور تجميل، ليلى تريد إجراء جراحة فى أنفها، لأن بعض صديقاتها قالوا لها إنه العيب الوحيد فى وجهها، ومن يومها وهى تصور نفسها من كل زاوية وتدخل على النت تقرأ عن عمليات التجميل، وتجمع معلومات وأرقام تليفونات وتتصل بالمعارف والأصدقاء، وأصبحت الحياة كلها تتلخص فى أنف ليلى، ثم حجزت موعدا مع اثنين من أشهر جراحى التجميل، ذهبنا إلى واحد واليوم الساعة 9 موعدنا مع الثانى. نظرت إلى وجه ليلى متفحصة، فلم أرَ ما تراه، أنفها ليس دقيقا، لكنه ملائم لوجهها ولا يقلل من جمالها على الإطلاق. سألت منال: ماذا قال الدكتور أمس؟ أجابت وهى تنظر ناحية ابنتها: قال لها حرام عليكى يا بنتى، اوعى تغيرى حاجة فى وشك انتى جميلة. لكنها لم تقتنع بكلامه، لذلك سنذهب إلى الثانى. ضحكت ليلى وقالت: يا تانت الموضوع بدأ لعبة، وبعدين كبر فى دماغى، ومش قادرة اتخلص منه، يوم أحس إنى لازم أعمل الجراحة، وإنى هابقى جميلة جدا، ويوم أخاف بشدة، وأقرر إنى كويسة كده ومش هاعمل أى حاجة، ورأيك هو اللى هيحكم كل القلق ده. قلت: أنت عارفة يا لولا أنى لا أجامل، أنت بالنسبة لى جميلة جميلات العيلة، لكن هذا أنفك وأنت حرة فيه. وأغلقت الموضوع حتى لا يتحول إلى جدال واختلاف فى وجهات النظر، واستأذنت وأنا أقول لهما: ابقوا بلغونى بالتطورات. وأنا فى طريق العودة تأملت موجة الهوس بعمليات التجميل التى تحولت من خبر عن نجمات الفن والأزياء فى العالم، إلى واقع وتجارة وصلت إلى الأحياء الشعبية، بحيث انتشرت عيادات التجميل، وإعلانات التكبير والتصغير والشفط والنفخ بشكل لم يعد بالإمكان السيطرة عليه، إلا بثقافة مختلفة، لأننى شعرت بالأسف من هذا الاهتمام المبالغ فيه بالشكل الأنثوى، فى الوقت الذى وصلت فيه حرية المرأة إلى ذروتها، وتساءلت: هل ناضلت المرأة من أجل حريتها لكى تحصل على حق إجراء جراحات التجميل، وتسوق نفسها كجسد، أكثر من إحساسها بكينونتها كعقل وأن لها دورا إنسانيا؟.. وما الخطأ الذى دفع ليلى مهندسة المستقبل الجميلة إلى التفكير فى هذا التقليد الأعمى لشلة صديقات، ربما زرعوا فى رأسها هذه الفكرة من منطلق الغيرة، وليس حرصا على تصحيح عيب فى وجهها؟ بعد أيام من زيارتى اتصلت بى منال، وقالت: هل تناقشت مع ليلى بشأن عملية التجميل؟ قلت: لا.. لم نتكلم منذ ذلك اليوم، هل حدث شىء؟ قالت: ليلى حسمت موقفها من العملية تماما، ورفضت باقتناع، ولم تعد مترددة إطلاقا بخصوص وجهها، ولم تعد تهتم بموضوع التجميل، لا فى الإنترنت ولا فى أسئلتها معى، عادت ثقتها لنفسها بشكل غريب، كأنها التقت بساحر نزع هذا الموضوع من رأسها. قلت ضاحكة: سأكلمها، وأعرف لك الحقيقة، فأنت تعرفين منذ طفولتها أن ليلى لا تخفى عنى شيئا. اتصلت بليلى، ودعوتها على الغداء فى النادى عصر اليوم التالى، وهللت فرحا وهى تقول: زى زمان يا تانت. وفى الموعد كانت ليلى أكثر بهجة وتألقا، وسألتها بخبث: حددتى موعد الجراحة إمتى؟ قالت ضاحكة: الساعة 9 يوم 31 فبراير السنة اللى مرسى هيرجع فيها للحكم. قلت: اتكلمى بجد.. إيه الحكاية؟ قالت: ذهبت مع مامى للدكتور، وشجعنى على إجراء الجراحة، وقال إن مناخيرى فعلا عاملة تشويه لملامحى، وتحدث مع مامى عن التكاليف والأتعاب، والخامات الغالية لضمان أفضل نتيجة، وكلام غريب يشبه الكلام الذى سمعناه عندما ذهبنا لشراء سجادة من الكحال، وعدت للبيت وانا مكتئبة جدا، ومنزعجة من موافقة الدكتور، وحديثه التجارى، ورأيه الصادم أن وجهى مشوه، فأنا لم أصدق ذلك أبدا، حتى وأنا أسعى لجراحة التجميل، وقمت أتصفح حسابى على «فيس بوك»، ووجدت خبرا منتشرا فى معظم المجلات الأجنبية تحت عنوان: «أين ذهب وجه رينيه؟»، وتحته آلاف التعليقات الساخرة من الممثلة الشهيرة رينيه زيلويجر، لأنها أجرت عملية تجميل، وكانت النتيجة سيئة، حيث ظهرت بعدها كأنها شخصية أخرى، ما جعل الناس تعبر عن دهشتها إلى درجة الهلع من التغيير الكبير الذى طرأ على وجه الممثلة.. حتى إن هناك من كتب تعليقه فى قسوة: «أى وحش هذا؟»، لهذا عدت إلى نفسى، ورأيتنى أجمل من أى تدخل لا أضمن ماذا سيفعل بى. قصة ليلى انتهت.. ولكنّ قصصا أخرى ما زالت مستمرة...