بالطبع لا يحتاج نجيب سرور إلى أى تعريف، وكذلك الشاعر أحمد فؤاد نجم، وهما قد عاشا ملء السمع والبصر، وقد حفظت الناس أشعارهما، ورددوها بكل اعتزاز فى كل المناسبات الوطنية، والاثنان عاشا ظروفا متشابهة فى النفى والتشريد والمطاردات البوليسية، وكذلك تمرَّغا فى فقر قاتل، ولكنهما احتميا بالمبادئ، ولم ينحنيا أمام سلطة أو مال أو وجاهة، فظلا يكتبان أشعارهما بكل قوة ورفعة واعتزاز بالدور الذى يقوم به كل منهما، ظل كل منهما يعيش بين الناس فى جلساتهما الطبيعية، وندواتهم البسيطة، ومقاهيهم الفقيرة. وعاش نجيب سرور صاحب مسرحيات «ياسين وبهية وآه ياليل ياقمر وملك الشحاتين وقولوا لعين الشمس والحكم بعد المداولة والكلمات المتقاطعة» وغيرها من مسرحيات ودواوين شعرية ودراسات نقدية فقيرًا، ولا يسعى خلف أموال يكدسها. وهو الموهوب الذى عرضت عليه كل أنواع الإغراءات ليتغير مع تغير العصر، فلم يرضخ ولم يركع أمام سطوة الدولار والتفاهات التى دخل فيها المسرح المصرى فى السبعينيات، وكان فى آخر أيامه لا يجد القوت الذى يقيه الفناء، وكذلك معاصره ورفيقه وصديقه أحمد فؤاد نجم الذى كان يلهب ظهر السلطان الجالس على صدر الناس بشعره وكرباج الفن، وكان يخرج من سجن ليدخل سجنًا آخر، وهنا قصيدة مجهولة، ولم أقرأها من قبل للشاعر نجيب سرور، عبارة عن رسالة تآزر يرسلها إلى أبى النجوم فى السجن. وهى إدانة دامغة للسلطة التى تسجن شاعرًا وصاحب رأى ومبادئ، قصيدة تصلح لكل زمان ومكان، وهذا ما يتوقعه المرء من شاعر كبير مثل نجيب سرور، يعيش فى سجنه الخاص، الذى احترفت السلطات الغاشمة فى اختراعه لكل أصحاب المواقف العظيمة، وأصحاب الأقلام المقاومة، وإلى القصيدة. شالت حمامة حطت حمامة ع السجن رجعت بالمراسيل يارفاقه يللا يللا السلامة وتعيشى حرة يا أرض النيل فى القلب ياما والشوق علامة ودموعنا تعبت م المناديل وقالوا لنا فى الأمثال السجن للرجّال ياما كلام ينقال الصبر يا أبطال أصل الزمان بطّال القاضى فيه متهم والمتهم قاضى راضى بخراب الذمم والظلم مش راضى يا نجم ياما نجوم غابت ورا القضبان وييجى يوم وتقوم بلدنا فى الطوفان وتستحمى يا مصر من العذاب والقهر وترجعى حليوة وتغنى غنيوة والله زمان يا نصر والله زمان والزمان فى خطوتك ثانية وفركة يا كعب بس الصبر يا غالية يا معلمة الكفت ياعطّارة يابانية يا امَّه ياعجانة يا خبازة يا طاهية الليل هجم والنجوم يا نجم لسه كتير ماليين البلد والبلد لسه بخير الغنوة زى الحصان بتضرب المشاوير والكلمة زى الرصاص يا نجم مالها كبير والعود ولا السيف يقول للسيف أنا الأجدع أنا باورى السيوف بالغنوة فين يوجع أنا إمام والإمام بيصلى وبيركع ياغنوة زى الصلاة هاتى الجدود تسمع ولّادة يام الهنا يا مصر يام الخير يا مصر إحنا هنا وكتير يا مصر كتير صحيح كتير الديابة بس الفرس أكتر القهر خللا الغلابة زى الأسود وأكتر لو كسّروا العيدان هانغنى ع الأرغول لو كسّروا الأرغول هانقول وياما نقول ع الناى وطول ماتطول ياليل وشدة تزول ويموت جيفارا وقليبه وبعدهم ماماتوا يا ساكنين الظل فين الرجال باتوا بايتين يا ناس ع البرش مش ع الدولار والعرش ولا الدينار والقرش ياللى ورا القضبان السجن للجدعان والحق بكرة يبان يا ماسك الميزان السجن للسجّان يا عين ياليل ع المسجون والسجّان والبلبل اللى بيدن جوه زنزانة آدى البلابل بتهتف على الصلبان تعيشى يا مصر لا خاينين ولا خيانة يا حارس السجن ليه خايف من المساجين هى الحيطان اللى بينا يا ملعون ولا السلاسل دهب ولا السجن شمشمون مسّى علينا القمر عواف عليكو عواف بربش مابين السحر شامت جوارنا خاف هرب مابين السحاب وطل تانى وغاب أمانة يا أصحاب ماتقطعوا المراسيل ياليل ياعين ياليل أمانة يا بدر لا تترك لنا السكة وإحنا حيارى ما بين الدمعة والقهرة شالت حمامة حطت حمامة ع السجن رجعت بالمراسيل يا رفاقه يللا يللا السلامة وتعيشى حرة يا أرض النيل