باتت الأحزاب القائمة على أسس دينية في مصر كيانات مخالفة للدستور، وفقا للنصوص التي تمنع استغلال الدين للترويج السياسي أو إنشاء الأحزاب التي تستلهم أفكارها وبرامجها من الدين وليس من الحياة المدنية، وأصبحت تلك الأحزاب بمثابة صداع في رأس الدولة، يستلزم علاجا سريعا، وإلا تحول إلى سرطان خبيث يهاجم الحياة السياسية ويحول دون استقرارها، ولا تزال الساحة السياسية تنتظر التصرف مع تلك الأحزاب بما يوافق القانون والدستور المصري، وتتطلع إلى معرفة مستقبلها الذي يرتبط بشكل مباشر بمستقبل الحياة السياسة المصرية. قانونيا: لابد من حلَّها أو توفيق أوضاعها طبقا للدستور المحامي والناشط القانوني والنقابي، أسعد هيكل، عضو ائتلاف العدالة الاجتماعية، قال إن مسئولية حل جميع الأحزاب التي تقوم على أساس ديني أو توفيق أوضاعها وفقا للدستور الجديد يقع على عاتق لجنة شئون الأحزاب السياسية، وهاجم اللجنة مؤكدا أنها "لا تعير هذا الأمر أي اهتمام، ولا تقوم بمسؤلياتها القانونية والدستورية المنوطة بها". وأشار أسعد إلى أن مسألة حل الأحزاب هي أمر قانوني بحت، وأنه لابد أن يصدر في هذا الشأن قرارا من لجنة شئون الأحزاب، أو أن يتم بموجب حكم من دائرة شئون الأحزاب بالمحكمة الإدارية العليا، وقال "علينا أن نعي ان الخطورة ليست في وجود الحزب ككيان رسمي، لأن قرار الحل ربما يتم تنفيذه بشكل قانوني، لكن ستظل الأحزاب قائمة على أرض الواقع عن طريق استمرار نشاط أعضائها وقياداتها، بعيدا عن اسم أو توصيف حزبي، وهنا تكمن الخطورة". وتابع عضو تحالف العدالة الانتقالية "هذه الأحزاب نشأت في وقت كانت البلاد تعيش خلاله حالة من الاستقطاب الديني والسياسي الشديد، وهي تحديدا الفترة التي أعقبت استفتاء 19 مارس 2011، وهو الاستفتاء الذي فتح الباب لهذه الحالة من الاستقطاب، لاسيما وأنه أُجري على أساس ديني بحت، والدليل أن المنتمين لجماعة الإخوان الإرهابية المحظورة والسلفيين أطلقوا وقتها عبارتهم الشهيرة بأن (من سيقول نعم في الاستفتاء سيدخل الجنة، ومن يقول لا فسيكون مصيره النار وغضب الله)، وبالتالي أصبح الشعب المصري مهيئًا لهذا الاستقطاب الذي استغلته الجماعات التي تدَّعي حمل لواء الإسلام، وقامت بإنشاء هذه الأحزاب، لاستغلالها فيما بعد للترويج لأفكارها، والفوز بالمغانم التي ترغبها، بغض النظر عن الشعب وحقوقه". وأضاف أسعد أن تلك الجماعات روَّجت أيضًا في هذا الوقت لمقولة أن الليبراليين واليساريين والعلمانيين من الكفار، مما انعكس سلبا على القوى السياسية المدنية التي وجدت نفسها في مأزق حاد نتيجة هذا الاستقطاب الديني، مشيرا إلى أنه يتعين على الجميع أن يستدرك الآن أخطاء الفترة الانتقالية التي أعقبت ثورة 25 يناير المجيدة، وألا يقوم بتكرارها من جديد، خصوصا بعد وضع دستور 2014 الذي حظر قيام الأحزاب على أساس ديني. وشدد المحامي والناشط القانوني على أن الأمر لا يقتصر على إصدار قرارات حل الأحزاب القائمة على أسس دينية، مؤكدا على وجوب أن يكون هناك حركة فكرية تنويرية داخل المجتمع المصري، ينهض بها الأزهر الشريف، بما له من أجهزة تكاد تكون متقاعسة عن أداء مسئولياتها مثل مركز البحوث الإسلامية، وكذلك لجان الفتاوى في الأزهر وفي وزارة العدل، وكذلك وزارة الثقافة بما لها من إمكانيات واسعة لا تحسن استغلالها، والإعلاميين والمثقفين المهمومين بالبلاد. سياسيا: موقفها سليم لكن يستدعي تغيير الباحث في شئون الأحزاب والجماعات الدينية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور يسري العزباوي قال إن موقف تلك الأحزاب سليم من الناحية السياسية، لأنها نشأت طبقا للقانون المصري رقم 40 لسنة 1977 الذي تم تعديله، فبالتالي موقفها القانوني والسياسي لا غبار عليه إطلاقا، لكن تظل الإشكالية الأساسية هي تلك المتعلقة بإعادة السيطرة من تلك الأحزاب على الشارع السياسي عن طريق استغلال الدين والحديث باسمه. وأضاف العزباوي أن أحد أشد الأحزاب القائمة على أساس ديني خطورة في الوقت الحالي على المجتمع المصري والحياة السياسية هو حزب النور، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، الذي يقوم حاليا بدور حزب الحرية والعدالة "المنحل"، الذراع السياسية لجماعة الإخوان الإرهابية. وأوضح الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية أن حزب النور لا يزال محتفظا بظهير شعبي قوي لأكثر من سبب، أولها معارضته للرئيس السابق محمد مرسي، وثانيها مشاركته في مظاهرات 3 يوليو 2013 التي دخلت في دائرة الحراك الشعبي ضد مرسي وقتها، كما وقف إلى جانب الشعب وأعلن تأييد مطالبه ضد جماعة الإخوان الإرهابية، بما يكسبه شعبية وأعداد أصوات لا بأس بها في الانتخابات البرلمانية المقبلة إذا استطاع خوضها، وبما يمثل عقبة في طريق الأحزاب المدنية. وأشار العزباوي إلى أن هناك مخاوف أيضا من تبعات حل تلك الأحزاب مباشرة بدلا من تقنين أوضاعها طبقا للدستور الجديد، موضحا أن مخاطر نموهم وعملهم بعيدا عن الشكل الحزبي، عن طريق نفس الشخصيات والقيادات ونفس الكيانات، لكن تحت مسمى أخر أو بشكل مستتر، ستكون خطورته على الدولة أكبر من استمرار عمل الحزب، لأن العمل الري دائما ما يُصدِّر مشكلات تواجه الدولة. ونصح الخبير في شئون الجماعات الإسلامية بإعادة النظر في قوانين الأحزاب، وتعديل جميع شئونها طبقا للقانون، مؤكدا أن هذا دور لجنة شئون الأحزاب السياسية، التي تستطيع وفقا لمهامها التي حددها لها القانون إعادة النظر في القوانين الخاصة بالأحزاب، ومراقبة عملها وتقويمها، والتأكُّد من مدى التزامها ببرنامجها الذي طرحته وقت تشكيلها، لافتا إلى أن "شئون الأحزاب" لها سيطرة كبيرة على جميع الكيانات الحزبية، كونها الجهة الرسمية الوحيدة في الدولة التي لها الحق في قبول أوراق الأحزاب وإعلانها كيان سياسي موافق للقانون، وضع تقارير مدى التزام الأحزاب بالقانون أو مخالفتها له في حال الرغبة في إصدار حكم قضائي بحل الحزب. مستقبل الأحزاب القائمة على أساس ديني العزباوي أكد أن هناك ثلاثة سيناريوهات، من وجهة نظره، تختص بمستقبل الأحزاب القائمة على أسس دينية في مصر، أولها استمرار تلك الأحزاب لكن بعد تغيير تلك الأسس المخالفة للدستور، وهو ما يتوقف على مدى التزام وقابلية تلك الأحزاب لفكرة تعديل برامجها واستخدام خطاب مدني يضمن لها البقاء والاستمرار، كما يضمن لها التجاذب مع الأحزاب المدنية، وهو ما يحقق فائدة أكبر لها وللدولة على حد سواء. السيناريو الثاني هو إنهاء تلك الأحزاب تماما عن طريق الأحكام القضائية بحلها، بسبب قيامها على أسس تخالف الدستور والقانون، موضحا أن هذا السيناريو سوف يتسبب في مشاكل كثيرة على الساحة السياسية، وتداعيات سيئة وسلبية للحياة الحزبية في مصر، لأن تلاشي تلك الأحزاب يضر بحالة التعددية الحزبية، بما يقلل من حالة الانتعاش السياسي التي تشارك في خلقها التعددية. أما السيناريو الثالث وفقا للعزباوي فهو بقاء الحال على ما هو عليه، وهو أسوء الأوضاع وفقا لرؤيته، حيث أنها تتوقف على ما سيقوم به القضاء تجاه تلك الأحزاب في الفترة المقبلة، فإن لم يتم حلها أو توفيق أوضاعها سوف ندور في دائرة مفرغة، ويتكرر نفس ما نتحدث فيه الآن من ضرورة توفيق أوضاع تلك الأحزاب وتغيير سياساتها وبرامجها كل فترة، لكن دون جدوى.