يواصل تنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام (داعش)» محاولاته المستميتة للسيطرة على مدينة كوبانى (عين العرب) التى تقطنها أغلبية كردية، تستخدم عناصر التنظيم أسلحة ثقيلة فى الهجوم، كما أنها تحاول دخول المدنية من مداخل مختلفة. ويستميت المقاتلون والمقاتلات الأكراد فى الدفاع عن هذه المدينة التى تقع على الحدود التركية. لكل من الطرفين حساباته تجاه مدينة كوبانى، فالتنظيم المتطرف يسعى إلى السيطرة على تلك المدينة من أجل كسر الأكراد وإهانتهم، فللمدينة قيمة تاريخية ورمزية للأكراد، وأيضا لاعتبارات لوجيستية، فالمدينة تقع على الحدود التركية مباشرة، والسيطرة عليها تفتح طريق الاتصال المباشر بمراكز التدريب والتموين والتسليح الموجودة على الأراضى التركية، إضافة إلى ما يتصوره التنظيم من غنائم سوف يحصل عليها فى حال السيطرة على المدينة وما ينتظرهم هناك من سبايا كرديات. فى المقابل فإن سكان المدينة من الأكراد يدافعون عن مدينتهم بشراسة لقيمتها التاريخية والرمزية، ولإدراكهم المخاطر المترتبة على خسارة المدينة، والتى تتمثل فى فتح طرق الاتصال المباشر بين التنظيم ومصادر الدعم على الأراضى التركية، وأخيرا ما يمكن أن يرتكبه التنظيم من جرائم بحق الأكراد فى المدينة. وفى الوقت الذى تتدفق فيه الإمدادات على تنظيم «داعش» من داخل وخارج سوريا، فإن القوات الكردية المحاصَرة فى المدينة تعانى من نقص الأسلحة والذخائر، والطريق الوحيد الذى يمكن أن تحصل من خلاله على المدد هو عبر الحدود التركية، لذلك ضغط أكراد تركيا على حكومة أردوغان كى تفتح لهم الحدود لنجدة أشقائهم فى كوبانى والحيلولة دون سقوطها، وطلبوا فى البداية من أردوغان إرسال قوات عبر الأراضى السورية للحيلولة دون سقوط كوبانى والتصدى لعناصر التنظيم المتطرف. رفض أردوغان ووضع ثلاثة شروط للتدخل، هى: فرض منطقة حظر طيران فوق شمال سوريا، وتحديد منطقة عازلة داخل الأراضى السورية، وتعهُّد أمريكى واضح بمحاربة نظام الرئيس السورى بشار الأسد. لم تقبل واشنطن بهذه الشروط واعتبرتها تعجيزية تبرر عدم مشاركة تركيا فى محاربة التنظيم المتطرف. هنا بدأ أكراد تركيا فى التظاهر للضغط على أردوغان كى يُسمح للأكراد بالتوجه إلى «كوبانى» وأن يرسل قواته للحيلولة دون سقوط المدينة حتى لا تُرتكب مجازر جديدة بحق سكان المدينة. رفض أردوغان وأمر قوات الأمن بضرب المتظاهرين، فكانت نتيجة أوامر أردوغان قتل نحو 37 مواطنا تركيًّا من أصول كردية، وقامت قوات الأمن باعتقال 22 طالبا وطالبة تظاهروا تضامنا مع أهل مدينة كوبانى. خرج أردوغان متهمًا المتظاهرين بأنهم إرهابيون، وغالَت قوات الأمن فى ضرب وسحل وقتل المتظاهرين السلميين، بعضهم كان يهتف «مصر، مصر، سيسى، سيسى». الغريب والعجيب أننا لم نسمع كلمة نقد ولا إدانة من منظمات حقوق الإنسان الدولية تجاه اعتداءات قوات الأمن التركية على المتظاهرين السلميين الذين يتظاهرون احتجاجا على قتل قوات الأمن التركية لمتظاهرين سلميين، لم نسمع كلمة عن اعتقال طلبة يطالبون بإنقاذ مدنيين أبرياء من براثن تنظيم إرهابى متطرف يقتل الرجال ويسبى النساء ويقيم أسواق نخاسة لهم فى مخالفة لكل القوانين المتحضرة والقيم الإنسانية، لم نسمع مسؤولا أمريكيا يدين جرائم القتل والسحل، ولم يصدر عن «هيومان رايتس ووتش» كلمة نقد أو رفض لما يجرى من سحل وقتل على أيدى قوات أردوغان. إنها الازدواجية فى المعايير، إنها الحسابات السياسية التى تفسد القيم الإنسانية وتكشف الوجه الحقيقى لهذه المنظمات، فالقضية فى طبيعة الجانى والضحية، وليست فى الدفاع عن الإنسان كإنسان أو حفظ قيمة حياة الإنسان وكرامته.