ما زالت الشهادات الإسرائيلية عن الصدمة التى اجتاحت تل أبيب فى حرب أكتوبر المجيدة تتوالى على صفحات وقنوات وإذاعات ووثائق الأرشيف التى يفرج عنها سنويا. وزير بحكومة جولدا مائير: كنا فشلة على صعيد التفكير.. ورغم التحذيرات بنشوب المعركة تهاونّا وأهملنا «كان واضحًا أن الحرب قادمة»، كان هذا أحد تصريحات شلومو هلل، وزير الأمن الداخلى الإسرائيلى خلال حرب أكتوبر، الذى أدلى بها أمس فى مقابلة مع صحيفة «معاريف» العبرية، وذلك فى اعتراف جديد بلسان القادة الإسرائيلية، بمفاجأة مصر التى شلت تل أبيب وقواتها فى هذه الحرب المجيدة. هلل قال «كان هناك اجتماع وزارى عقدته رئيسة الحكومة جولدا مائير عشية الحرب، كان لدىّ شعور كبير أنها ستنشب قريبا، خلال الجلسة الحكومية كنت من بين المصوتين ضد اقتراح تم تقديمه بشن ضربة استباقية جوية ضد مصر، كان واضحًا لى أننا لا يمكننا تغيير الصورة والوضع، بل إننا سنضر بصورة تل أبيب وسيتهمنا العالم إذا قمنا بهذه الضربة بأننا بادرنا بالهجوم». وفى سؤال من الصحيفة «لماذا لم تستعد تل أبيب للمعركة؟»، قال الوزير الأسبق «كنا فشلة على صعيد التفكير، كان لدينا كثير من الدلائل والإشارات على أن الحرب ستنشب قريبا، وسيهاجمنا المصريون والسوريون، دلائل وإشارات بإمكانها إيقاظ الموتى من سباتهم، إلا أنه مقابل تلك الإنذارات والتحذيرات كانت هناك حالة من التهاون والإهمال الجسيم الكبير والاستثنائى فى صفوف الجيش والمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، كان لا بد أيضا أن تعلن تل أبيب التعبئة العامة لقوات الاحتياط الإسرائيلية، وهذا لم يحدث». وأضاف هلل «لم يكن دورى يسمح لى بأن أعرض وجهة نظرى على كل الجنرالات والعسكريين، لقد قامت تل أبيب بتعبئة قوات الاحتياط فى وقت تأخر جدا، ولم يبلغوا الحصون والمعاقل على خط الجبهة بالأمر، وحتى اليوم لا يمكننى أن أفهم أو أستوعب كيف سقطت معاقل وحصون إسرائيلية فى أيدى المصريين والسوريين وبأسلحة عادية، فعلى سبيل المثال هناك حصن فى منطقة حرمون استولى عليه السوريون بمروحيتين عسكريتين فقط، على الرغم من أن مقاتلا إسرائيليا يحمل مدفعا كان يمكنه إيقاف المروحيات، وإنهاء الأمر ومنع سقوط المعقل فى يد دمشق، لقد كان الأمر مأساة حقيقية». وتابع قائلا «إيلى زاعيرا، رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق، مسؤول عن هزيمتنا فى تلك الحرب، لقد التقيته قبل الحرب بشهور، وبالتحديد فى فبراير 1973، سألته: ماذا يحدث إذا بدأ المصريون هجومًا علينا فى شتاء هذا العام، ولم يستطع سلاح الجو الإسرائيلى صدهم والوقوف أمام تقدمهم؟ حينها رد علىّ زاعيرا بأننى يجب أن أثق به، وهو ما فعلته، وشعرت أن هذا السؤال الذى طرحته عليه كان سخيفًا، لقد وثقت به كما وثق به كل الإسرائيليين». وفى سؤال من الصحيفة الإسرائيلية «كيف تلقيت نبأ إلقاء مسؤولية التقصير فى الحرب على رئيس أركان الجيش وقتها داوود أليعازر؟»، أجاب هلل «كنت أكن حبًا واحترامًا لرئيس أركان الجيش الإسرائيلى الأسبق، إلا أن الجماهير فى تل أبيب كانت غاضبة جدا على القيادات بسبب الهزيمة أمام مصر وسوريا، لقد أرادت هذه الجماهير الثأر ممن تسبب فى مقتل أبنائها الذين سقطوا فى المعارك، كان على وزير الدفاع موشى ديان تقديم استقالته بسبب الأمر، لا بد أن يتحمل شخص ما المسؤولية عن الهزيمة». وأضاف «بعد حرب 1973، والتقصير الذى قام به الجيش الإسرائيلى، طالبت بنقل ملف الأمن الداخلى إلى جهاز الشرطة، بعد حرب 1967 أصبح الجيش هو المسؤول عن حفظ الأمن الداخلى فى إسرائيل، كما أصبح هو المسيطر على كل شىء، وإذا وقعت عملية تخريبية كنا ننتظر ساعات لتلقى أوامر وتعليمات القيادات العسكرية للرد على الأمر، بعد الهزيمة لم يكن من الممكن أن يستمر الحال بهذه الطريقة». ضابط إسرائيلى شارك بالحرب: الجنود انهاروا نفسيا وعقليا بسبب الهجوم المصرى وبعنوان «شهادة ضابط رأى صدمة الحرب»، أجرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» مقابلة مع يوسف رحمان الضابط الإسرائيلى الذى شارك فى حرب 1973، الذى لفت إلى أنه «بسبب أهوال المعارك التى شنتها كل من القاهرةودمشق مر بفترة علاج للشفاء مما رآه فى ميدان القتال». رحمان قال «قمنا بتدريبات فى هضبة الجولان، عرفنا كل صخرة وحجر فى هذه الهضبة، لكن حين نشبت المعارك لم تساعدنا هذه التدريبات العسكرية فى شىء، لقد كانت حرب يوم الغفران أصعب الحروب التى خاضتها تل أبيب فى تاريخها وما زالت وقائعها الكارثية محفورة فى ذاكرتى، فجأة تم القضاء على كل الدبابات فى ما عدا واحدة، تلك الخاصة بقائد كتيبتى، لم يكن هناك ببساطة من يشغلها، فى صباح اليوم التالى، اليوم الثانى للحرب أخذت أفرك عينى من المشهد الذى رأيته، كانت هناك حالة من الفوضى فى صفوف الجيش الإسرائيلى ومئات السائقين العسكريين يتحركون بشكل غير منتظم هم وعرباتهم». وأضاف الضابط السابق «كنا نتسابق على الطريق مهرولين هاربين، وكان هناك من يلوح بيده كالمجنون، وكانت صافرات الإنذار تدوى من مقصورات القيادة»، لافتا إلى أنه «بشكل يومى كانت هناك تخوفات من احتمال هجمات الكوماندوز علينا، لهذا كنا دائما فى حالة ذعر وتأهب، وفى اليوم الثالث للحرب أدركنا الكارثة، قتلى ومصابين ودبابات مستهدفة بالصواريخ، وما زالت النيران تشتعل بها»، وتابع «تلقينا الضربات والنيران من قبل الطرف الثانى على مدار 3 أيام بلا توقف، لم تنجح تل أبيب فى إيصال أى مساعدات إلينا». وأشار رحمان إلى أنه التقى بعد ذلك عديدا من الجنود والضباط المصابين بصدمة الحرب، قائلا «كان هناك من انهار نفسيًّا وعقليًّا بسبب الهجوم المصرى السورى، سادت حالة من الكآبة على الجميع. لم أستطع تحمل ما أراه أمامى، كان هناك جنود فقدوا عقلهم، ولم تعالجهم تل أبيب وتركتهم دون إبداء أى أسباب وراء قيامها بذلك، لقد أفقدهم الذعر والرعب ذهنهم، دائما ما أتذكر هذه الصور، ولا يمكننى نسيانها، من بينها ما قام به قائد إحدى السرايا العسكرية الذى ظل يدور فى خيمة القيادة واضعا يديه وراء ظهره، ويتمتم لنفسه مرارا وتكرارا بسبب الصدمة: لقد فقدت ثقتى فى الدبابات، لقد عرفت هذا القائد جيدا، لكنى فوجئت به يتحول إلى شخص آخر، حادثته لكنه لم ينظر حتى إلىّ، بعدها بفترة طويلة علمت أنه غادر إسرائيل مع عائلته، ويعمل الآن نجارا فى نيويورك». مصر انتصرت لأننا لم نملك خطة دفاعية.. وكل ما كان لدينا خطة انتشار على طول القناة ضد حرب الاستنزاف «قبل يوم من اندلاع حرب 73 قبضت تل أبيب على مجموعة من الكوماندوز المصريين، وانتزعت منهم معلومات ثمينة عن موعد نشوب الحرب، إلا أن قيادات تل أبيب لم تعط أهمية لهذه المعلومات»، كان هذا أحد تصريحات العميد احتياط يوم طوف تامير، أحد المشاركين فى الحرب، التى ألقاها فى ورشة عمل لاستخلاص العبر فى الذكرى ال41 للمعركة، وفقا لما نقله موقع «نيوز وان» الإخبارى العبرى. وأضاف تامير أنه «قبل يوم من نشوب المعارك، جرت مطاردة من قبل تل أبيب لمجموعة تابعة للكوماندوز المصرى، وتم الإمساك بهذه المجموعة وإرسالها إلى المحققين، الذين انتزعوا منها معلومات دقيقة عن موعد الحرب». كما نقل الموقع عن إيلى دقل، رجل الاستخبارات العسكرية الإسرائيلى الأسبق، الذى شارك فى الورشة قوله إن «المعلومات التى جاءت من مجموعة الكوماندوز وصلت إلى قيادات المنظومة الأمنية الإسرائيلية قبل 10 ساعات من وصول نفس المعلومات إلى رئيس الموساد تسيى زامير من لندن، وبالتحديد من العميل أشرف مروان، وعلى الرغم من ذلك فإن المنظومة الأمنية الإسرائيلية لم تتخذ أى خطوات أو إجراءات لمواجهة هذا التهديد». ولفت موقع «نيوز وان» إلى أنه خلال الورشة تطرق تامير إلى أسباب الانتصار المصرى فى حرب 73، موضحا أن «الجيش الإسرائيلى لم يكن لديه خطة دفاعية إزاء احتمال نشوب الحرب مع مصر، كان هناك فقط خطة انتشار على طول قناة السويس، فى حال ما إذا جددت مصر حرب الاستنزاف مع تل أبيب، ونتيجة لهذا التصور فإن تل أبيب لم تستعد ولم تعط تعليماتها للجنود والضباط فى الحصون، لاعتقادها أن المصريين لو جددوا حرب الاستنزاف لن يكون هناك هجوم مباشر على الإسرائيليين».