فى محضر الاجتماع الأول «21 أكتوبر»، أى بعد بدء المعركة بنحو 15 يوما، يبدو واضحا أن ما عرف باسم «ثغرة الدفرسوار» –عبور قوات إسرائيلية إلى الناحية الأخرى من قناة السويس الخاضعة للسيطرة المصرية، وتمركزها فى بعض المناطق هناك- كان يثير القلق، رغم أن الوضع على الأرض من الناحية الميدانية لم يكن سيئا بهذه الدرجة، بحسب نص المحضر، فإن وزير الحربية الفريق أول أحمد إسماعيل حذر من «عمليات التسلل وإقامة العدو لبعض المعابر والكبارى التى قامت قواتنا بقصفها، وأوضح سيادته أن القوات الإسرائيلية التى عبرت القناة إلى الضفة الغربية فى منطقة الدفرسوار محاصرة ومحاط بها فى عملية تثبيت قوية جدا، وأن هناك ضربا شديدا مركزا عليها بالطائرات وبالصواريخ والدبابات ووحدات الكوماندوز التى تقوم ضد العدو فى المنطقة بحرب عصابات، وأن قواتنا استطاعت رغم وجود حقول ألغام كبيرة أن تأسر بعض أفراد القوة الإسرائيلية هناك ووقعت معارك جوية أسقط خلالها للعدو ثمانى طائرات». ويكشف المحضر فى موضع آخر عن قيام الجيش المصرى بقصف مصفاة البترول بحيفا، وتوقف حصول إسرائيل على خام البترول من بئر بلاعيم، وعن تقييم الموقف الداخلى فقد تعرضت بورسعيد والإسماعيلية والسويس لضرب مكثف من جانب العدو، كما قام بعمليات قصف جوى لبعض المواقع فى شمال ووسط الدلتا، ويبدو أنه كان هناك أزمة تتعلق بالتزاحم حول منافذ بيع المواد التموينية، إذ يرصد الاجتماع ضرورة فرض الرقابة المستمرة على عملية التهافت على السلع التموينية واتخاذ إجراءات مشددة ضد التجار الجشعين، على أن تفرض الحراسة على من يقدم منهم إلى المدعى العام الاشتراكى. ويتضح من جديد دور الدعم الليبى الذى كانت تعول عليه مصر، إذ يرصد الاجتماع وجود مشكلات خاصة بالنقل، خصوصا فى ما يتعلق بنقل القطن إلى المحالج والأرز إلى المضارب، وقال محضر الاجتماع «يمكن تلافى هذا القصور فى قدرات قطاع النقل بوفاء ليبيا بما وعدت به من تزويدنا بثلاثمئة لورى»، ويتضح الدور الليبى أكثر فى البند المتعلق بالتموين، إذ يرصد الاجتماع ضرورة «استمرار الاعتماد على ميناء الإسكندرية فى هذه المرحلة (يقصد وقت الحرب)، على أن تكون طبرق وبنى غازى -وكلها موانٍ ليبية- موانى تبادلية فى حالة تعذر استخدام ميناء الإسكندرية». لكن محضر اجتماع مجلس الوزراء يوم 25 أكتوبر 1973 يسجل تطورا نوعيا فى مسار الحرب، بدرجة تكشف لماذا قبل الرئيس السادات بوقف إطلاق النار، ويبدو واضحا أن التفوق الكبير للجيش المصرى على إسرائيل استمر لنحو عشرة أيام من السادس إلى السادس عشر من أكتوبر، حينما بدأت الولاياتالمتحدة فى تقديم الدعم العسكرى بالسلاح مباشرة للجيش الإسرائيلى، يقول محضر الاجتماع ناقلا تقييم الموقف العسكرى على لسان وزير الحربية حينها الفريق أول أحمد إسماعيل «إن ما حققه الجيش المصرى منذ 6 أكتوبر وما قدمه أفراده من تضحيات وبطولات خارقة وأسطورية سواء خلال المعارك السابقة على 16 أكتوبر 1973 أو بعد ذلك التاريخ سوف يسطرها التاريخ بالفخر لقواتنا المسلحة، بعد 16 أكتوبر أمدت الولاياتالأمريكية قوات العدو بكميات هائلة من مختلف الأسلحة الجديدة التى تتميز بخطورتها المتناهية مما لم يسبق استعمالها حتى فى (حرب) فيتنام. أخذ العدو إثر تلقيه هذه الأسلحة يركز هجومه على قواتنا فى الضفة الشرقية فأحدث بها ثغرة شمالى البحيرات المرة عبر خلالها بقوات مستخدما عربات برمائية مصرية مما حصل عليها سنة 1967 -هذه مفاجأة تاريخية كما ترى- وبدعم جوى وعلى معابر متنوعة وتقدر قواته بلواءين مدرعين ولواء ميكانيكى»، هذا أمر مزعج كما ترى، إسرائيل صنعت ثغرة «الدفرسوار» باستخدام عربات استولت عليها من مصر فى يونيو 1967، ليس هذا فحسب، يبدو أن الثغرة حققت ازعاجاً، وبحسب نص المحضر فإن القوات الإسرائيلية عمدت إلى الدخول إلى بعض القرى التابعة للسويس لتمنع الجيش المصرى من الاشتباك معها، قبل أن تضطر إسرائيل إلى الانسحاب لاحقا بسبب المقاومة الشعبية، لكن الأمر لم يقف عند ذلك، يضيف نص محضر الاجتماع «انتهزت قوات العدو فرصة وقف إطلاق النار وعدم توافر قوات الطوارئ الدولية فى المنطقة فبدأت بالزحف على (ميناء) الأدبية واستولت عليه. هناك عدد من الدبابات للعدو تهدد من وقت لآخر الطريق بين القاهرةوالسويس عند الكيلو 109»، وهو أمر لا بد أنه أثار القلق حينها بشدة، فبعد تفوق عسكرى كاسح فى الأيام العشرة الأولى للحرب، فتحت الثغرة بابا لتسلل الجيش الإسرائيلى، إلى حد أنه أصبح على بُعد 109 كيلومترات فقط من العاصمة. حتى إن محضر الجلسة يرصد نصا فى الموقف الداخلى أنه «لا بد من إيضاح كل الاحتمالات ووضعها فى الاعتبار إزاء عدو غادر قد لا يتورع عن مهاجمة القاهرة، وأننا فى هذه الحالة سنحارب ونناضل بكل ما أوتينا والاستعداد لمعركة تحرير شاملة». ويبدو أن كل هذه التطورات دفعت بالرئيس السادات ليعجل بالقبول بوقف إطلاق النار كفرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة تقييم الموقف على الأرض، وبحسب نص المحضر ذاته فإن «بدت جلية حكمة السيد الرئيس فى اتخاذ قرار وقف إطلاق النار توقيتا وموضوعا من موقع سيادته كرئيس للدولة وقائد أعلى لقواتها فى سرعة وحسم بقدر ما قدره سيادته إزاء الموقف، وحمل سيادته بذلك مسؤولية تاريخية ينوء بمثلها أولو العزم من الرجال». ويبدو واضحا أن الثغرة لم يتعامل معها الإعلام بكفاءة تناسب خطورة الموقف. يذكر تقييم الموقف الداخلى فى محضر اجتماع 25 أكتوبر أنه لم يصاحب إعلان موقف قرار وقف إطلاق النار وما قبله من استيلاء العدو على أجزاء من الضفة الغربية تحرك سياسى وإعلامى يهيئ الأذهان ويوضح لها الموقف، وكان من الطبيعى أن يشوب الرأى العام تبعا لذلك بعض الانزعاج، لكن ما تم تسجيله فى نفس محضر الاجتماع من تقييم للموقف الداخلى هو أبلغ تجسيد لملحمة حرب أكتوبر رغم ما شابها من مناورات وادعاءات إسرائيلية، يقول نص المحضر: «إننا خلال المعركة بضراوتها قد نخسر أرضا ونكسب أخرى، ونستعيد ما خسرنا، ولكن المهم طوال مختلف مراحل المعركة هو سلامة قواتنا المسلحة وجبهتنا الداخلية معا». يبدو أن هذا لا يزال مفتاح النصر فى كل المعارك حتى يومنا هذا.