كل سنة وانت طيب.. وبهذه المناسبة: هل فكرت لماذا تتحول الأعياد إلى حفلات رعب مفتوح فى الشوارع؟ لماذا يبدو كل احتفال جماعى كارثة محققة؟ لماذا عندما يلتقى طوائف المجتمع فى لحظة واحدة تنطلق إشارات الخطر والأسى؟ فى العيد الصغير كان المشهد كالتالى رؤوس حولتها قصة شعر «موهاق» إلى قطعان متجولة فى مدينة بعد احتلالها. شباب فى لحظات نشوة دخول وسط القاهرة بهندستها المرتبة على اصطفاف (الواجهات/ الشوارع/ البشر). الرؤوس الحليقة على طريقة قبائل الهنود الحمر ترفض الاصطفاف وتدمر هندسته. تسير فى منتصف الشارع.. ونشوتها فى الاحتفال باحتلالها الفضاء العام بفرديتها المطلقة. العيد هو احتفال غريزى على جثة دولة متحللة.. لم تعد العشوائية عابرة أو مقيمة فى أحزمة حول القاهرة، لكنها تفرض قانون «أنا ومن بعدى فليتكون العالم من جديد».. ويتحول قلب القاهرة إلى حديقة غرائز مفتوحة. البقاء فيها للأقوى وحده أو وسط قطيع هائج. والسلطة فيه تكتفى برمزيتها أو محاولتها الإعلان عن وجودها، لا قدرة لها على النظر أبعد من طريقتها التى لم تعد صالحة للاستخدام ولا توصيفها القديم لسكان مدينة متورمة. هذه مدينة حكمت فى 30 سنة بفتوة جالس على مقعد الرئاسة، وكما قال سائق التاكسى لصديق: «.. كان مبارك فتوة.. وحصل على مقابل حمايته لنا.. وبعد غيابه خرج كل هذه الثعابين والأفاعى والوحوش من جحورها». مفهوم الرئيس/الفتوة يفسر لدى قطاع كبير لحظات غياب الدولة أو تركها الأورام تنتفخ حتى أكلت القلب.. ورحلت من جسد المدينة كله إلى منتجعات موازية (من منتجعات الظهير الصحراوى للقاهرة وحتى شرم الشيخ..) تستمتع فيها بال«فردة» التى حصلت عليها مقابل حماية المدينة من الانفجار أو الحفاظ على توازن الرعب بين كل الأطراف. المدينة إذن تبحث عن «فتوة» بعد اقتياد التمساح الأخير إلى محبسه الدائم، وهزمت أصوات التغيير التى طالبت بتغيير طبيعة النظام وتحرير المدينة من «فتوتها».. تلك الهزيمة جعلتهم يبحثون عن «الدكر» فى السياسة.. ويمارسون «ذكورة» الاعتداء على النساء فى الميادين.. وفى أقسام البوليس يكسرون من البداية «ذكورة» الضحية.. إنها هستيريا «ذكورة».. من النوع البدائى المعتمد على الغريزة والإخضاع.. ذكورة اصطياد الفريسة.. والشعور بالنشوة من التهامها.. إنها تعبيرات جنسية عن السلطة فى بلد لا يعرف الجنس كمتعة.. ولا كنوع من التواصل الإنسانى.. التواصل ممنوع فى بلاد تاهت بين هويات تافهة.. وفاشلة.. ومميتة.. لا هى حديثة ولا هى خاضعة لتقاليد ما قبل الدول.. لسنا شعوبا ولا قبائل.. إننا مجرد قطعان مهزومة.. هائمة.. يأكل بعضها بعضا.. وتخرج من الإنسانية بحزمة شعارات تافهة تستخدم الدين مرة والأخلاق مرة والوطنية مرة.. وفى كل مرة نبتعد عن الإنسانية لنبقى كائنات نتفرج على انحطاطنا.. كيف يمكن لشخص يفتقر إلى إمكانات التواصل والحب أن يكون تصورات عن الآخرين فى حياته.. وهو ممزق بين واقع يحرم كل شىء وسلطة تستخدم القهر الجنسى، وبين عالم يراه ويسمعه يفكك كلما تقدم عقد التواصل والحب، لتصل إلى درجات الحرية شرط الإنسانية الكبير.. كيف تتركب تلك الشخصيات التى تستعرض ذكورتها فى الشوارع.. ردا على استعراضات ذكورة البوليس..؟ وكيف تفخر الأم بابنها «الدكر» ثم تبكى على ابنتها عندما يغتصبها «دكر» آخر؟ كيف تتربى على التوحش وتريد أن تنجو من آثاره؟