«الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد». «لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك». ما أعظم المعنى، ما أروع المغنى.. الحج هو كعبة النية، وبيان القصد، ودليل الطاعة بقدر الاستطاعة، وبرهان الإيمان، وقوة التجلى وعزيمة التخلى وذكرى الفداء والأضحية. فى الحج تجتمع أركان الإسلام فى محبة وتكامل، وترتفع خصال المسلم، وتسمو روحه، ويتطهر بدنه، وتتضاءل شروط ومظاهر الحياة الفانية أمام مقام الحياة الأزلية الباقية، فلا فرق فى الحج بين غنى وفقير، يشترك الكل فى المظهر والجوهر، القلوب تهفو إلى دعاء مستجاب، والقدم تسعى فى نفس المسار، والوجه يتولى قبلة يرضاها الجميع بلا مكابرة أو خلاف. أىُّ اتفاق مثل هذا قد يحدث فى الدنيا، وفى أى مشهد غير الحج الذى تنطق فيه ألسنة الملايين بنفس الدعاء، فتطرب الأرض والسماء بالتسبيح والحمد، وتتجرد الكائنات الروحانية البيضاء من شهوات الدنيا، وتغتسل من آثامها، سائلةً الغفور عن الغفران فى أضخم مشهد للميلاد الجماعى «مَن حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه»؟! فى الحج نوحِّد الواحد، ونصلى، ونصوم، ونصبر، ونجاهد، ونذكر، ونحمد، ونشكر، ونرجم الشيطان، ونزكى بالمال والوقت والغربة عن البيت والأهل، ونسعى راضين إلى التسامح والمساواة، والتواضع، ونتخلى طائعين عن كل امتيازات الدنيا، ونقترب من رياض الجنة بزيارة الحبيب المصطفى. لا بأس من استمتاع الناس بالتعارف والسفر، والبيع والشراء بعد أداء المناسك «ليشهدوا منافع لهم»، والمنافع ليست فقط فى ذلك، ولكن فى إدراك المعانى التى تجسدها الشعائر، فالغنىّ الذى يسعى إلى حج مبرور عليه أن يتذكر أن المساواة مع الفقير لم تكن فى يوم عرفة، ثم تنتهى، لكنها وقفة يجب أن تؤثر فيه وتعلّمه حكمة وتجربة يهتدى بها عندما يعود إلى حياته الجديدة، فلا يفرّق بين أسود وأبيض، عربى وأعجمى، قوى وضعيف، صحيح وعليل، وهذا بلا شك أهم مدخل لإحساس المسلمين بالقوة والوحدة والاعتصام بحبل الله، والتعاون والتكافل فى ما بينهم. وندعو الله أن ينعم على كل مَن يقصد البيت الحرام بنية خالصة، يقبل حجه مبرورا، ويجعل ذنبه مغفورا، وسعيه مشكورا، وفضله مذكورا يمشى به بين الناس بخُلق الحاج من أبى الأنبياء إبراهيم إلى خاتمهم محمد بن عبد الله صلى الله عليهما وسلم، حتى لا تكون زيارته «ضجة بلا حجة»، وشعائره أداء بلا رجاء. اللهم امنع عنه المعصية، واحفظ دينه من مغريات الدنيا، ارزقه خيرها، واصرف عنه شرها، وزينتها وزخارفها ومباهجها ومناصبها. اللهم تقبل وأكرم، اغفر وارحم، ارزقنا بزيارة بيتك الحرام، واستجب لكل من سعى ولبَّى، قاصدا وجهك الكريم، ساجدا نحو الكعبة، زائرا حجر إبراهيم وقبر محمد صلى الله عليهما وسلم، وعلى من اتبعهما إلى يوم الدين. لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك.