تنتمى الجينات الفنية لخالد صالح إلى فصيلة من الممثلين النادرين أمثال زكى رستم ومحمود المليجى وصلاح منصور وسناء جميل، وصولا إلى سعاد حسنى وأحمد زكى والفخرانى، هؤلاء يمحون من القاموس فى فن الأداء أداة التشبيه كأن، فهم لا يشبهون الشخصية الدرامية، ولكنهم يصبحون الشخصية فى أعلى درجات الامتزاج. يتركون بصمة لا تُمحى فى الذاكرة بعد أن تقرأ كلمة النهاية للعمل الفنى، تكتشف أنها البداية، فأنت لا شعوريا تعيد المشاهدة، وعندما يكتب القدر نهاية رحلته مع الأيام نبدأ نحن مرة أخرى فى استعادة تلك الأيام المرصعة بتلك اللآلئ التى لا تمحوها السنون. مشهدان فى بداية المشوار لا أنساهما لخالد صالح، الأول أداؤه دور عمى الشاعر الغنائى الكبير مأمون الشناوى، فى مسلسل «أم كلثوم»، حيث تملكتنى الدهشة كيف لهذا الممثل الناشئ مجهول الاسم وقتها عام 2000، كيف التقط روح شاعرنا الكبير، وهو لم يلتق به ولا مرة، ليس لديه سوى صورة فوتوغرافية هل تأملها طويلا، فباحت له بعدها بكل أسرارها، المؤكد أنها الموهبة الاستثنائية، التى يمنحها الله لعدد من عباده، يقرؤون الشفرة فيحيلون الصورة الصماء إلى حياة متكاملة نابضة بالحياة بكل تفاصيلها وأبعادها. المشهد الثانى بعدها بعامين فى فيلم «محامى خُلع» كنا فى لجنة المشاهدة لاختيار الأفلام التى تمثل مصر فى المهرجانات السينمائية، يلعب خالد دور القاضى وفجأة، وجدت الراحلين الكبيرين المخرج توفيق صالح وكاتب السيناريو عبد الحى أديب، وهما يهتفان طربا ونشوة ويتساءلان عن اسم هذا الممثل، وهكذا شهدت أنا أول اعتراف رسمى بموهبة خالد صالح، الذى سرق الكاميرا من الجميع بهذا المشهد اليتيم، بنظرة وإحساس خاص نضحت به الشاشة. أما المشهد الثالث، الذى مع الأسف نشهده الآن، فهو وداع خالد صالح، بينما الحياة أمامه تفتح له ذراعيها. خالد صالح يبدو للوهلة الأولى أنه موهبة مترامية الأطراف بلا شُطآن، وهو كذلك بالفعل، إلا أن هذه الموهبة يحوطها عقل متوازن استوعب كل تاريخ السينما، فهو يعلم أنه نجم لديه قدرة على الجذب الجماهيرى، إلا أن هناك من يتفوق عليه بمقياس الشباك، مثل السقا وكريم وحلمى وعز وغيرهم، لهذا يقبل سينمائيا أن يشارك بين الحين والآخر فى دور البطل الثانى «أحلى الأوقات»، و«ملاكى إسكندرية» و«تيتو» و«ابن القنصل»، وغيرها، هو يدرك أن هذه هى شريعة الحياة الفنية لأنه لو عاند أو استمع لتلك الكلمات الخايبة أنك الأهم والأكثر موهبة، ولو قبلت الدور الثانى سيتم تسكينك حتى النهاية فى الدور الثانى، كان خالد ينتقل برشاقة من دور إلى دور. الواقع الفنى يمنح الموهوبين أمثاله حق تحديد المكان، لأنه دائما صاحب مكانة. هذه هى الاحترافية التى اكتسبها خالد صالح، ومن المؤكد أن مخرجنا الكبير يوسف شاهين استوقفه مبكرا، وهكذا رشحه لبطولة «هى فوضى» فى دور أمين الشرطة «حاتم»، وردد له الناس بعدها كلمته الشهيرة «اللى مالوش خير فى حاتم مالوش خير فى مصر». انطلق خالد بقوة الصاروخ لنراه فى «الريس عمر حرب»، شخصية تقف على تخوم الواقع والخيال، إنسان وشيطان مزج بينهما بأستاذية وقدرة خاصة على قراءة الشفرة، وتستمر المسيرة مكللة بالنجاح، ويصبح هو أحد كبار نجوم الشاشة الصغيرة الذين نترقب حضورهم فى رمضان بمسلسلات «الريان» و«سلطان الغرام» و«تاجر السعادة» وغيرها. خالد صالح الذى بدأ فى مسرح الهواة ومع رفيق الرحلة وتوأمه، حيث صارا متلازمين، أقصد بالطبع خالد الصاوى، اجتمعا بناء على طلب الجماهير فى فيلم «الحرامى والعبيط»، لم يكن الفيلم بقدر الترقب، ولكنه وثّق علاقة خاصة بين نجمين من نفس الجيل، ومن نفس الفصيلة الإبداعية، فصار يجمعهما شريط تستطيع استعادته فى أى لحظة. خالد صالح هو النجم المصرى الوحيد الذى تبرع من ماله لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية فى كل دورة، وبلا ضجيج أو إعلان يفعل ذلك، غادرنا خالد قبل ساعات ولكنه حفر مساحة فى قلوبنا لا تعرف الغياب.