جبهة النصرة ليست «داعش».. هذه هى الرسالة المباشرة التى تحاول قطر ترويجها دوليا باستخدام كل إمكاناتها الدبلوماسية والإعلامية. سياسيا تستطيع أن تقرأ الاقتراب الكبير بين الدوحة وجبهة النصرة، المتمثل فى النفوذ القطرى الواضح على الجبهة، الذى أدى من قبل إلى الإفراج عن الصحفى الأمريكى بيتر كيرتيس، وبعده الإفراج عن الجنود الفيجيين الذين اختطفهم التنظيم من القوة الدولية الأممية المرابطة فى الجولان السورى المحتل. الجبهة التى تعد رسميا وشرعيا وتنظيميا فرعًا لتنظيم القاعدة فى سوريا، وفق بيعة معلنة من قائده أبو بكر الجولانى لزعيم القاعدة الشهر أيمن الظواهرى، ويشارك فى خطف الصحفيين الأجانب والجنود الدوليين، وفى عمليات قتالية كبرى فى سوريا ضد الجيش السورى وأيضا ضد الجيش الحر الذى يمثل المعارضة، وأعلن قائده فى وقت سابق سعيه إلى تأسيس إمارة إسلامية بما تحت يديه من أراض سورية، ويعتبرها المجتمع الدولى منظمة إرهابية وفق قرارات لمجلس الأمن، وأيضا قرارات لدول مثل الولاياتالمتحدة والسعودية، تسعى إلى رفع اسمها من لوائح الإرهاب الدولى، وتساعدها قطر فى هذا المسعى. قائد مجموعة مسلحة فى سوريا قال ل«رويترز» فى وقت سابق إن «قطر تحاول باستمرار تأمين إطلاق سراح الأسرى من مختلف الجنسيات، لأن لها صلات طيبة هنا على الأرض مع المجموعات المسلحة، ويستخدمون علاقاتهم للإفراج عن الرهائن. وفى الوقت الحالى يعملون على عدة قضايا فى ما يتعلق بالرهائن». وبعد هذا التصريح ببضعة أيام أفرجت جبهة النصرة عن الجنود الفيجيين، مع مطالب للأمم المتحدة بإزالة اسم الجبهة من لوائح الإرهاب، وسط دعم سياسى قطرى من خلال إعادة توصيف عمليات الخطف التى نفذتها الجبهة فى كونها إجراءات احترازية فى بيئة حرب، لا ممارسات إرهابية، ومثل هذا التوصيف وأكثر تلقفته قناة «الجزيرة» الذراع الإعلامية لدولة قطر، لتسهب فى تقارير ونشرات وتحليلات عن رصد ما تقول إنه جوانب كبيرة للاختلاف بين «داعش» وجبهة النصرة. وتحت عنوان «رسائل جبهة النصرة للمجتمع الدولى» شاهدت حلقة خاصة أمس من برنامج «الواقع العربى» ساعة كاملة على «الجزيرة» يركز على السياق الذى يحاول وضع جبهة النصرة فى إطار حركة مقاومة ضد نظام بشار الأسد، وليست تنظيما إرهابيا على غرار «داعش». ما شواهد التقرير الذى أعدته القناة على هذه الفوارق؟ أولًا: أن جبهة النصرة لم تتورط فى أى عمليات أو مواجهات خارج سوريا، وأن غالبية قادتها ورجالها سوريون، وأنها لم تهاجم مصالح أمريكية «لاحظ ذلك»، وأن ارتباطها ب«القاعدة» وإعلانها البيعة للتنظيم الأم، ليس إلا محاولة تكتيكية للهروب من أى ارتباط مع «داعش»، وكأن التقرير يقول هل كنت تفضل البيعة ل«القاعدة» أم «داعش»، أليست «القاعدة» بمنهجها «الوسطى» مقارنة ب«داعش» أفضل كثيرًا؟ فى اعتقاد قطر وذراعها الإعلامية ومحلليها، أن عدم وجود أى أدبيات تشير إلى العداء مع أمريكا أو استهدافها يكفى لدمغ تنظيم ما بأنه غير إرهابى، المصالح الأمريكية فقط هى التى تحدد مَن الإرهابى ومَن غيره، وكأن تنظيم القاعدة الأم لكل هذه التنظيمات لم يستهدف مصالح أمريكية، وكأن الصحفى المفرج عنه حديثًا لم يكن أمريكيا. «داعش» تتوسع وتؤسس دولة دينية، وهذا فارق جوهرى بينها وبين النصرة التى لا أطماع لها خارج سوريا ولا هدف إلا إسقاط نظام بشار الأسد، فماذا بعد أن يسقط؟ هل سيتخلى المقاتلون الجهاديون المنتمون إلى فكر «القاعدة» عن السلاح؟ أم أنهم يرغبون فى إسقاط الأسد لتأسيس دولة دينية فى سوريا لا تفرق كثيرًا عن الدولة التى أشهرها الداعشيون فى بعض مناطق العراق والشام؟ الأرجح أن قطر استثمرت كثيرًا فى هذه الميليشيات المسلحة، وهذا يفسر أنها الطرف الوحيد تقريبا الذى يتحدث معها وعنها، ويروج لها حتى وصل بها الأمر إلى محاولة تمرير أسطورة جديدة، بأن هناك إرهابا وسطيا جميلًا، وإرهابا أسود، وأن المجتمع الدولى عليه مساندة الجمال ضد السواد.