أرجوك انظر إلى ما يحدث فى سيناء من عدة زوايا ولا تكتفى بالنظر إليه من زاوية واحدة، وذلك حتى تستطيع فهم ما يجرى والتوصل إلى حلول حقيقية وجذرية للأزمة الحالية. فليس هناك أدنى شك أن ما يحدث فى سيناء، وبعيدا عن »الهمجية الإسرائيلية»، هو جزء من خطايا النظام البائد الذى ما زلنا ندفع ثمنه حتى هذه اللحظة.. ولكن تأكد أننا سنستمر فى دفع هذا الثمن، ما لم نتخذ من الإجراءات والخطوات الحقيقية التى تجعل هذا المكان العزيز على قلب مصر آمنا ومطمئنا وكريما. مع ذلك وعلى الرغم من أن أخطاء النظام السابق كثيرة للغاية وفادحة إلى أبعد مدى، فإننا يجب أن لا نتوقف عندها دون أن نسأل عن العمل خلال الفترة المقبلة. وماذا سنفعل فى سيناء المنسية؟ وما مستقبلها؟ وعلى ماذا يعتمد؟ وهل الرغبة فى إصلاح الأحوال فى سيناء ستكون كافية أم أننا نحتاج إلى ما هو أبعد؟ نحتاج إلى إرادة ظلت معطلة طوال 30 عاما من عمر النظام الساقط الذى أوصلنا بخطايا الماضى إلى ما نحن فيه، ودفعنا إلى أن نسأل بقلق -لا يخلو من أمل- عن مستقبل سيناء الغالية. سيناء تدفع خطايا النظام الساقط الماضى ما يحدث فى سيناء الآن ليس منقطع الصلة عما حدث طوال 30 عاما مضت، فخطايا النظام الساقط يدفع ثمنها كاملا أهالينا فى سيناء، حتى إنك تظن أن النظام القديم كان يتعمد أن تكون سيناء بهذا الشكل، ما الشكل؟ سؤال طبيعى ومنطقى. فمنذ 30 سنة، هى عمر نظام مبارك البائد، تراكمت خلالها مشكلات سيناء بشكل كبير، وعانت هذه القطعة الغالية من أرض الوطن أزمات متوالية ومتعددة، أوصلتها فى النهاية إلى أن تكون، حسب تقرير الأهرام الاقتصادى لعام 2011، أقل المناطق من حيث التنمية على مستوى الجمهورية، فضلا عن ارتفاع مستوى البطالة فيها بشكل كبير للغاية، وتدنى مستوى المعيشة للغالبية الساحقة من سكانها، هذا هو الذى أوصل سيناء إلى حالة من التردى لم تصل لها أبدا. عصام سلطان، نائب رئيس حزب الوسط، لا يبرئ النظام القديم مما تعانيه سيناء الآن، بل يراه السبب الرئيسى فيما يحدث، وما نراه حتى هذه اللحظة، فسلطان يرى أن السياسات الفاشلة أوصلتنا إلى هذه الدرجة من التردى، حتى أننا أصبحنا لا نعى ما يجرى هناك، سلطان أضاف هناك ثلاثة أمور تدلل على أن الفشل هو سبب ما يحدث فى سيناء، وهذه الأمور توضح كيف تعامل النظام السابق معهم، الأمر الأول، حسب سلطان، هو نزع الوطنية عن مواطنى سيناء، وهم أكثر وطنية من الجميع، إذ إن هناك الآلاف يعيشوع وهم يحملون وثيقة مكتوباً عليها «رعايا جمهورية مصر العربية»، أى أن الدولة نزعت عن هؤلاء صفة المواطنين، وحولتهم إلى رعايا بشكل رسمى، وبوثائق صادرة عن الدولة. سلطان يؤكد أن الأمر الثانى، الذى يكشف طبيعة تعامل النظام القديم مع سيناء، هو كيفية تعامل أجهزة الأمن مع مواطنى سيناء طيلة السنوات الماضية، إذ كانت طوال الوقت تتعامل مع أهالى سيناء بعنف شديد، دون مراعاة لطبيعة المكان والتركيبة العائلية للمنطقة، بل إن حالات القبض العشوائى وصلت إلى النساء، وهذا جزء من المحرمات فى ثقافة أهالى سيناء. أما الأمر الثالث الذى يؤكد أن السياسات الفاشلة هى السبب فيما يحدث فى سيناء، فهو اختيار نواب الحزب الحاكم طيلة سنوات مضت لتمثيل أهالى سيناء، ضاربا المثل، سلطان، بنائب الرصاص وهو أحد النواب الذين يمثلون مكانا محروما من الخدمات وكل شىء، متسائلا «هل يجوز أن تكون هذه النماذج هى المعبرة عن الأهالى، فى حين يحاصر كل المعارضين والمختلفين مع النظام أو المنادين بواقع أفضل«. سلطان يعتقد أن هذا الواقع مستمر حتى هذه اللحظة، للأسف الشديد، وأن الثورة لم تغير فيه كثيرا، لكنه يظن أيضا أن هناك أشياء قد تتغير قريبا، لأنها لا تحتاج إلى وقت طويل لكى تتغير، مثل وثائق السفر والبطاقات الشخصية، وغيرها من الأمور التى ستشعر الأهالى بحدوث تغيير، أما فيما يتعلق بالتنمية وغيرها فإن الأمر مؤجل إلى حين، لكن كل واقع سيناء مرتبط بهذا الأمر بشدة. ماذا يحدث على الحدود؟ ماذا يحدث فى سيناء؟ هذا هو السؤال الطبيعى والمنطقى الذى يدور الآن على أفواه جميع المصريين، تفجيرات واشتباكات ومطاردات فى الصحراء، وكلها أمور غير مفهومة، تختلط فيها التفسيرات بين الذين يقولون إنها مجرد تحركات إسرائيلية تستهدف مصر، وبين الذى يراها بداية تحركات لتنظيم القاعدة. ماذا يحدث فى سيناء الآن؟ هذا هو السؤال الطبيعى والمنطقى الذى يستحق الإجابة، لكنه يتعدد حسب كل فريق وكل اتجاه، فضياء رشوان رئيس وحدة النظم السياسية بمركز الدراسات السياسية بالأهرام، لا يبرئ إسرائيل تماما مما يحدث، بل ويراها المسؤول الأول والأخير عن كل التوتر الأخير الحاصل فى سيناء، وأن هناك رغبة فى تصدير هذا التوتر ليعبر سيناء، ويعم أرض مصر كلها، من أقصاها إلى أقصاها، رشوان يرى أن هدم أى تقدم يحدث فى مصر الآن هو إحدى الأولويات الإسرائيلية فيما يبدو، لذلك فإن التفجيرات والضربات والتوترات وراءها ومحركها هو هذا الكيان الذى يحدنا من الشرق. »هناك رغبة فى عدم وصول مصر إلى الديمقراطية، فمصر الديمقراطية التى تمتلك جيشا قويا أمر يقلق إسرائيل إلى أبعد الحدود» وأضاف رشوان أنه «يبدو أن هناك رغبة حقيقية فى هدم هذا التقدم الذى تفسره إسرائيل وقادتها على أنه فى مواجهتها تماما، وضد مصالحها بشكل مطلق«. لكن لماذا لا تكون القاعدة وراء ما يحدث فى سيناء، وهى التى تتخذ من الضربات الموجهة إلى الولاياتالمتحدة وإسرائيل هدفا ثابتا ورئيسيا؟ يجيب ضياء رشوان بالقول إن «طرح اسم تنظيم القاعدة المقصود منه أن يضم أى إجراءات أمنية تتم فى سيناء أمريكا وإسرائيل على السواء»، ويفسر أمريكا هى التى تحارب ضد القاعدة فى العالم كله، ووجود القاعدة فى سيناء يؤذى إسرائيل بالدرجة الأولى، وهنا يصبح من الطبيعى أن يكون هناك وجود أمريكى إسرائيلى فى كل الإجراءات الأمنية التى تتم فى سيناء مع الجانب المصرى، ويصبح الباب مفتوحا للتدخلات الأمريكية الإسرائيلية فى كل شأن مصر، وكل شأن يرتبط بسيناء تحديدا. رشوان يدلل على عدم وجود أى آثار لتنظيم القاعدة فى سيناء بالقول «كل الضربات التى تعرضت لها سيناء خلال الفترة الماضية، لم يتم إصدار بيان واحد من جانب تنظيم القاعدة للإعلان، أو تبنى إحدى هذه الهجمات، ثم إن أسامة بن لادن قبل وفاته، وأيمن الظواهرى، حتى وقت قريب، لم يؤكدا أبدا أى وجود للقاعدة فى سيناء، وهو ما ينفى تماما هذا الوجود المزعوم. ومع ذلك فإن محمد الجوادى، الكاتب المتخصص فى شؤون الأمن القومى، يرى أن النظام السابق وعن طريق إهماله وتقصيره فى حق سيناء، وأهاليها، طيلة ثلاثين عاما، ومعاملة أهالى سيناء على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية والثالثة، قد صنع «حالة من العنف فى المنطقة»، هذه الحالة التى لم يسمها الجوادى، ولم ينسب العنف فيها لتيار سياسى أو دينى، سواء القاعدة أو غيرها، ربما تكون جزءا من حالة العنف التى تشهدها سيناء، أى أنها ربما تكون إسرائيل حسب البعض، وربما تكون القاعدة حسب البعض الآخر، رغم نفى ذلك، وربما تكون حالة من «العنف الداخلى» التى تشكلت طيلة السنوات الماضية، وهنا يجب التوقف لنسأل: ما العمل إذا كان الحاضر هكذا؟ فكيف تصل سيناء إلى المستقبل؟ لننتظر ونرى! ماذا تريد سيناء؟ مستقبل سيناء هو الأمر الوحيد الذى أهمله النظام الساقط، لسبب بسيط هو أنه كان يرتضى تماما الحاضر السيئ الذى تعيشه سيناء ولم يفكر فيه تماما على الرغم من الحديث الذى لم يتوقف يوما بين المثقفين والمهتمين بالشأن العام عن ضرورة الاهتمام بسيناء وتنميتها، ولكن هذا الأمر لم يحدث، الغريب أنه حتى الآن -أى بعد الثورة بسبعة أشهر- لم نسمع عن خطة واضحة المعالم لتطوير سيناء وإخراجها من «ماضيها السيئ» إلى حاضر ومستقبل أفضل. حديث المستقبل يجب أن يشمل الإجابة عن عديد من الأسئلة، أهمها أسئلة من نوعية: ماذا تريد سيناء؟ وهل يمكن أن نحقق هذه النهضة التى نتحدث عنها؟ وهل نملك الإرادة السياسية لتحقيق ذلك؟ وهل سيقتضى هذا الأمر أى دخول فى مواجهات مع إسرائيل؟ وهل يجب علينا مراجعة اتفاقيات السلام مع إسرائيل إذا قررنا اتخاذ أى خطوات تغير الأوضاع فى سيناء؟ هذه هى أسئلة المستقبل حول سيناء، وهى الأسئلة التى نستطيع إذا حسمنا الإجابة عنها أن نؤكد أن سيناء لن تبقى كما هى الآن، وستتحول إلى سيناء أخرى أفضل وأجمل وأكثر أمنا وسكينة واطمئنانا! وهو ما تحتاج إليه سيناء الغالية التى كانت وما زالت تشكل حالة خاصة ومميزة عند كل مصرى. الدكتور عمرو الشوبكى الخبير بمركز الدراسات السياسية ب«الأهرام»، يؤكد أن مستقبل سيناء مرتبط بما سماه ب«عودة الابن الضال» أى عودة الدولة إلى دورها فى سيناء مرة أخرى بعد غياب طويل جدا، «فسيناء منطقة أهملت بشكل فظ على مدى 30 عاما وتحولت المشروعات فيها إلى مجرد منتجعات سياحية فى مقابل غياب تام وقاطع لأى مشروعات تنموية، لذلك فإن مستقبل سيناء مرتبط بعودة الدولة إليها مرة أخرى، وعودة الدولة -حسب الشوبكى- يجب أن تشمل أن تصبح سيناء مأهولة بالسكان وأن تتم زراعة 400 ألف فدان، وهو الرقم المعلن طوال الوقت خلال الفترة الأخيرة وأن يتم تأهيل مليونى مواطن لكى يعيشوا بها خلال خطة زمنية محددة وواضحة وأن تتراجع تماما كل الخطط المترهلة والغياب الواضح والفاضح من قبل الدولة فى مصر. الشوبكى وعلى الرغم من طرحه قضية عودة الابن الضال كما سماها، لم يستبعد أن تثير أى خطط مستقبلية فى سيناء حساسية إسرائيل من الناحية السياسية، ولكننا نستطيع أن نتحمل بعضا من هذه الأمور وندخل فى مواءمات سياسية نستطيع أن نكسبها فى نهاية الأمر وإلا فإن سيناء لن تتقدم خطوة واحدة للأمام. الشوبكى أكد أن كل هذه الأمور التى تتحرك بسيناء خطوة إلى الأمام نستطيع تحقيقها إذا امتلكنا إرادة سياسية لكى نفعل هذا ولكى ننظر إلى المستقبل برؤية مختلفة، قائلا: «نستطيع أن ننجز عددا من الخطوات فى اتجاه تنمية وتطوير سيناء خلال عام على الأكثر، بينما نستطيع تحقيق باقى الخطوات مع الوقت وبإرادة سياسية حاسمة وقوية، مضيفا: «يجب أن لا نكون نظام ممانعة حتى ننجح فى تعمير سيناء وتنميتها فقط، يجب أن نملك الإرداة السياسية ومصر قادرة على طرح مشروع أقرب إلى المشروع التركى تملك فيه قرارها وحريتها دون أن تصنف على أنها ضمن أنظمة الممانعة أو أى أنظمة أخرى». عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط، كشف أن «الجيش يملك خطة طموحة نحو تنمية وتعمير سيناء خلال الفترة المقبلة»، ويبدو أن هناك مستقبلا مختلفا ينتظر سيناء إذا ما صدقت النيات ولم يصبح الأمر كله مجرد حديث والسلام. سلطان أضاف أننا فى احتياج إلى الانتهاء من خطة تنمية شرم الشيخ فقط، وهى الخطة التى كانت سائدة طوال السنوات الماضية لوجود الرئيس المخلوع فيها، أما باقى سيناء فقد كان يعانى من الفقر وتدنى مستوى المعيشة، مضيفا أن المستقبل أيضا فى الغالب سيحمل تغييرا سياسيا أهمه أن نمط ممثلى سيناء فى البرلمان سيتغير نحو المزيد من هؤلاء الذين يمثلون المواطنين بحق ولا يقفون فى مواجهتهم، دعما لسلطة بل إن هذه -فى نظر سلطان- ستمثل نقلة سياسية مهمة وتغييرا تستحقه وتنتظره سيناء منذ سنوات. سلطان يرى أيضا أن الشرطة قد تختلف معاملتها مع أهالى سيناء خلال الفترة المقبلة، فضلا عن منح الأهالى وثائق تعبر عن أنهم مواطنون وتحافظ على كرامتهم، وستمثل فى مستقبل سيناء إضافة مهمة تحمى كرامة مواطنين هم فى الأساس أكثر وطنية من الجميع، بل هم أكثر وطنية من هؤلاء الذين اتهموهم دائما بعدم الوطنية، على حد قوله. سيناء إذ تنتظر المستقبل، والمستقبل ينتظرها فإن الواقع قد يكون أكثر تعقيدا، مع تراجع حاد فى مستوى المعيشة ونسب مرتفعة للفقر والبطالة وانهيار تام فى المرافق والخدمات، فضلا عن إهانة تامة لكرامة المواطنين وانتهاك خصوصياتهم عن طريق القبض والاعتقال العشوائى والاحتجاز التعسفى، هل يجوز أن يتم إصلاح كل هذه الأمور لتعود سيناء فى المستقبل أرضا آمنة كريمة؟ الشوبكى يرى أن هذا وارد جدا، بل إن هذا هو الطبيعى فى مصر بعد الثورة، فالطبيعى أن تكون مصر الجديدة محافظة على كرامة أبنائها -كل أبنائها- وأن تسعى لتغيير كل الأوضاع الشاذة التى سبقت المرحلة التى قبلها، وأن تتعامل مع سيناء بمنطق مختلف ورؤية مختلفة وخيال مختلف، مضيفا الإرداة وحدها هى التى ستكون الفيصل فى ما يمكن تحقيقه فى سيناء، ولكن الثابت أننا نستطيع أن ننجز كل ما نريد إذا أردنا بجد وتحركنا نحو تحقيق هذا الهدف. الشوبكى لفت إلى أن أى تغييرات نريد أن نحدثها فى سيناء لا تعنى أننا سنلغى اتفاقية كامب ديفيد، بل إننا يجب أن نتعامل على أننا بحسابات سياسية نستطيع أن نؤثر دون القول إنه لا بد من تغيير كامب ديفيد حتى نستطيع تعمير وتطوير سيناء، وهذا هو الطريق الأسهل بكثير.