كل يوم يمر، دون عمل حقيقى لمساعدة الليبيين فى استعادة دولتهم واستقرارها خطر، ليس فقط على الشعب الليبى الواقع فى أتون حرب أهلية وتنازع قبلى بعد أن صار الاحتكام إلى السلاح هو الوسيلة الوحيدة للحوار، لكن على دول المنطقة عموما ومن قلبها مصر. نجاح ميليشيات ما يسمى «فجر ليبيا» فى السيطرة على مطار طرابلس، وتحقيقها مكتسبات عسكرية كبيرة، لم يغير قدرًا من الواقع العسكرى فى البلاد التى تتنازعها الكتائب المسلحة، لكن دعوة المتحدث باسم هذه المجموعات المسلحة ل«المؤتمر الوطنى الليبى» للعودة وتسلم مقاليد البلاد، بعد أن انتهت ولايته دستوريا من الأصل، وجرى انتخاب مجلس النواب كبديل عنه، ينذر بأزمة تنازع أخرى على الشرعية وعلى تمثيل الشعب الليبى. ورغم أن هذا التمثيل يمكن اعتباره هامشيا، لأن قرار الحرب فى يد الكتائب المسلحة من كل الاتجاهات والانحيازات القبلية والدينية، فإن التنازع على مَن يمثل الشعب الليبى، ووجود دول إقليمية داعمة للمؤتمر المنتهية ولايته على حساب البرلمان المنتخب حديثا، يعنى من جانب بدء تقسيم فعلى لليبيا على المستوى السياسى والجغرافى أيضا، حيث يدعم البرلمان عمليات خليفة حفتر، واعتبر جماعات «فجر ليبيا» جماعات إرهابية، ويستقر فى الشرق، بينما تبدو الكتائب الموالية للمؤتمر مستقرة غربًا. العرب انشغلوا وقتا طويلا بإسقاط بشار الأسد فى سوريا، وتمويل ودعم المعارضة التى تقاتله، كما ساعدوا ومولوا ودعموا عملية إسقاط القذافى فى ليبيا، لكنهم لم يبذلوا فى البناء جزءًا ضئيلًا من الجهد الذى بذلوه فى الهدم، والأرجح أنهم من الأصل لم يكترثوا بمستقبل هذا البلد بعد سقوط القذافى وكيف يمكن بناء نظام جديد قوى وقادر على تلبية حاجات شعبه وتأمين الاستقرار وإنفاذ القانون، كذلك مضى «الناتو» غير عابئ بما ترك على الأرض بعد إسقاط القذافى، وبقيت ليبيا مسرحًا لعمليات تنافس إقليمى، لعب فيها المال دورًا كبيرًا فى تمويل الجماعات المسلحة المتنافرة، وإطلاق الحرب. رئيس الوزراء الليبى، ومن بعده البرلمان المنتخب أطلقوا دعوات واضحة للتدخل الدولى فى ليبيا لاستعادة الدولة، ونزع سلاح الميليشيات، وبناء الجيش الموحد القوى، وإنفاذ القانون، لكن أحدًا لم يكترث ولم يرد على الدعوة، أو يبد حماسًا واضحًا للمساعدة. مصر تحدثت أنها لم تتدخل عسكريا سواء بشكل مباشر أو غير مباشر فى ليبيا، وكذلك الجزائر لا ترغب فى تدخل منفرد، وتتمنى بناء عملية سياسية تجمع جميع الأطراف على برنامج حوار، لكن إلى متى سيصمد موقف الدولتين، بينما الخطر الكبير على حدودهما، وفى كل منهما نظام يوصف بأنه عدو للتيارات الإسلامية المتقاتلة هناك؟ العالم منشغل فى محاربة «داعش» فى العراق، الضربات الجوية الأمريكية تؤتى أهدافها، بينما يتشكل تحالف دولى ضد التنظيم، هل الهدف هو طرد «داعش» من العراق، وفتح مرتع كبير لها فى ليبيا؟ على بُعد عدة أميال فقط شمالا من شواطئ الاتحاد الأوروبى، وعدة أميال أخرى ناحية الجنوب الغربى من داعش الإفريقية فى نيجيريا «بوكو حرام». ليس مطلوبًا من مصر أن تخوض حربا مع طرف ضد طرف، مصلحتها أن يكون فى ليبيا نظام قوى وقادر، تستطيع التعامل معه وإلزامه بتأمين حدوده وحماية أرواح الجاليات، والتعامل معه فى الأزمات بقواعد القانون الدولى، لكنها أيضا لا يجب أن تقف متابعة عن كثب فحسب، وعليها أن تبادر إلى بناء التحالف الدولى والإقليمى تحت هدف استعادة ليبيا من هذا التقاتل القبلى ووضع قواعد للعبة الداخلية ليس فيها احتكام إلى السلاح. إذا عجز الليبيون عن إدارة بلادهم إلى هذا الحد الذى تصبح فيه بلادهم مصدر تهديد لأمن المنطقة كلها، فلا حرج أبدًا فى الدعوة إلى تدويل قضيتها، حتى لو تسلمت الأممالمتحدة إدارتها وأشرفت بنفسها على نزع سلاح الميليشيات وبناء الدولة والجيش الموحد، هذا أفضل كثيرًا من الصوملة التى لا تعنى سوى مزرعة كبرى لإنتاج الدواعش على الحدود المصرية.