إستيقظت المرأة العجوز التى تعمل كساحرة شريرة فى مزاج رائق. كانت قد قررت صنع فزاعة (خيال مآتة) لوضعها فى منتصف حقلها الجديد لإخافة الغربان والطيور، إلا أنها أيضاً أرادت أن تلهو قليلاً بهذا العالم الذى أصبح فارغاً لدرجة مخيفة وسخيفاً لدرجة مفزعة، لهذا، قررت صنع خيال مآتة على هيئة رجل نبيل، تشوفه تقول دا محترم بينما هو فى الأصل ليس أكثر من مجرد خيال مآتة. بدأت فى صنعه، عصا المكنسة للعمود الفقرى، بضعة عصى ومقابض لليدين والقدمين، جسمه عبارة عن كيس من القش، بينما رأسه عبارة عن يقطينة جافة (قرع عسل) محفور فيها ثلاث فتحات، فتحتان للعينين وفتحة للفم، وكتلة زرقاء فى منتصف اليقطينة لتصبح بمثابة الأنف. «نظرت الساحرة إلى الوجه الذى صنعته، وتمتمت: لقد رأيت وجوهاً أسوأ من هذا الوجه على اكتاف ناس، وكثير من النبلاء رؤوسهم لا تختلف عن اليقطين كثيراً». جذبتها فكرة العبث بهذا العالم الأحمق أكثر، فألبست خيال المآتة ثياباً فاخرة، ووضعت له شعراً مستعاراً وضعت فوقه قبعة متسخة لن يلحظ العالم اتساخها فى غمرة غرقه فى الإتساخ. أخذت تنظر له وهى فخورة بما صنعت يداها، وعندها كانت الفكرة قد تبلورت فى عقلها أكثر. «لم لا أعطيه فرصة فى هذا العالم الذى يعج بأمثاله من رجال القش الفارغين»؟! وضعت الغليون فى فمه وأخبرته بأنه ينبغى عليه أن يدخن، يدخن باستمرار وبدون توقف، أخبرته أن التدخين هو ضمانته الوحيدة للإستمرار على قيد الحياه. ومع انهماكه فى التدخين بدأ وجهه فى الإكتساء شيئاً فشيئاً بملامح إنسانية. عندها لم يبق أمام الساحرة العجوز سوى أن تأمره بالتكلم. «بذلت الفزاعة جهدها فاستطاعت بصعوبة أن تصدر صوتاً منخفضاً: أمى، لا تقسِ عليّ، لقد عزمت على أن أتكلم، إلا أنى لا أجد ما أقوله. إبتسمت الأم وخاطبت الفزاعة: إنك تستطيع أن تتكلم. ألا تقدر أن تتفوه بآلاف الكلمات و ترددها آلاف المرات وأنت لا تعنى بها شيئاً»؟ّ! أطاع خيال المآتة أوامر صانعته وخرج إلى الحياه بعد أن زودته بمبلغ كبير من المال ونصحته بالذهاب إلى أحد معارفها من التجار وعلية القوم والهمس فى أذنه بكلمة معينة، وسوف يساعده بعدها. خرج خيال المآتة إلى الشارع مختالاً بزينته وأبهته ونُبلُه، يضع غليونه فى فمه ويدخنه باستمرار، بينما المارة يتعجبون من فرط نُبل هذا الرجل وأبهته، حتى أن أحد المارة همس لزميله: «لم أر فى حياتى من يتمتع بعظمة مظهره». صوتان شاذان فقط هما من خالفا باقى الأصوات المتعجبة والمندهشة من فرط عظمة مظهر خيال المآتة، «نباح كلب اقترب من الغريب و شم عقب قدميه ثم هرع إلى فناء سيده وهو ينبح نباحاً غريباً. أما الصوت الآخر فكان بكاء طفل فزع عندما شاهد الغريب، وراح يتمتم بعبارات مبهمة عن اليقطين». ذهب خيال المآتة بالفعل إلى التاجر وانبهرت ابنته به ووقعت فى غرامه على الفور. وبينما هما يتحادثان نظر خيال المآتة فى المرآة ليكتشف الحقيقة التى لم يرها قبل الآن، أنه خيال مآتة. توقف عن تدخين الغليون وبدأت الملامح الإنسانية تنسحب من وجهه. ذهب إلى صانعته التى أخذت تندبه وتنعيه: «ثمة ملايين من البلهاء والحمقى والفارغين فى هذا العالم. ليسوا أفضل منك. ومع ذلك يعيشون محترمين. ولم يروا أنفسهم إطلاقاً. إلا أنه يبدو أن لك مشاعر رقيقة وصادقة و قلب أعظم من أن يحتمل الحياه فى عالم فارغ لا قلب له». كان هذا هو ما تدور حوله قصة «الرأس ذو الريشة» للكاتبة «ناثانيل هوثورن»، ترجمتها «رشا التهامي» ونشرتها مطبوعة «كتاب العربى» ضمن مجموعة أخرى من القصص القصيرة المميزة. لهذا، وخوفاً من أن تطلعوا فى النهاية خيالات مآتة وانتو مش واخدين بالكو، بصيتو فى المراية النهاردة؟!