اثنان وستون عامًا على قيام ثورة 23 يوليو ولا يزال المصريون يبحثون عن العدالة الاجتماعية التى حلموا بها مع بزوغ شمس الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، فالقرارات السريعة التى اتخذها الزعيم الراحل من أجل ترسيخ مبدأ العدالة الاجتماعية، وإعادة الكرامة للمصريين البسطاء، جعلت منه أيقونة العدالة الاجتماعية لدى المصريين وغيرهم من شعوب الأرض. فبعد 48 يومًا من توليه مقاليد الحكم قام بوضع حد أدنى للأجور حتى يستطيع الجميع عيش حياة كريمة ودون أى إهانة، فكل فرد فى الدولة فى وقته كان له أجر ثابت ومناسب لطبيعة العمل الذى يقوم به، فى مشهد يكاد يقترب من الخطوات التى ارتكز عليها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى عصرنا الحالى من خلال التشديد على قانونى الحد الأدنى والأقصى للأجور. تسلم عبد الناصر حكم مصر وكانت مصر دولة فقيرة متخلفة صناعيا، وقام عبد الناصر بالعديد من الخطوات للعمل على تحسين أوضاع الاقتصاد الذى شهد تدهورا كبيرا بعد ولاية أبناء محمد على، وشهدت مصر فى عهده نهضة اقتصادية وصناعية كبيرة كان الاقتصاد المصرى عاجزا خلالها بسبب ارتباطه بالمصالح الأجنبية عن طريق البنوك وشركات التأمين والتجارة الخارجية فى الصادرات والواردات، وكانت كل مرافق الاقتصاد المصرى بيد الأجانب واليهود، لكن بدأ جمال عبد الناصر فى اتجاه جديد للدولة نحو السيطرة على مصادر الإنتاج ووسائله من خلال التوسع وتأميم البنوك الخاصة والأجنبية العاملة؛ والشركات والمصانع الكبرى وإنشاء عدد من المشروعات الصناعية الضخمة. وفى خلال حقبة الرئيس محمد أنور السادات لم تدم الحالة الاقتصادية بأى شكل من الأشكال حيث انهارت الصناعة المصرية ووصل الاقتصاد المصرى إلى أدنى مستوياته، إضافة إلى تلاشى العملة الصعبة من الدولة لدرجة عجز مصر عن دفع فوائد الديون المتزايدة التى لم تعرف مصر مثلها قبل السادات، ولا حتى فى عهد الخديوى إسماعيل، فعمل السادات على تسوية مشاكل الدولة الداخلية وإعداد مصر لخوض حرب6 أكتوبر 1973. فقد عمد إلى قلب النظام الاشتراكى فى الاقتصاد إلى النظام الرأسمالى وهو ما أدى إلى انتشار الفساد وكثرة السرقة والتحايل على أموال الدولة؛ كما أدى هذا النظام إلى ارتفاع معدلات البطالة إلى جانب انفجار مستويات التضخم بشكل كبير جدا، وذلك لأن السادات لم يكن لديه أجندة منسقة لإدارة اقتصاد الدولة سوى تفكيره وحده دون وجود تخطيط أو دراسات، وعلى الرغم من ضعف الاقتصاد بهذا الشكل إلا أن معدل الناتج القومى كان مرتفعًا جدًا عند مقتل السادات، ولكن السبب لم يكن نشاطًا إنتاجيًا بقدر ما كان ارتفاع معدل الهجرة إلى دول الخليج، وإعادة فتح قناة السويس وازدهار السياحة، وهى أشياء لا تمثل نشاطًا إنتاجيا بمعنى الكلمة، وشديدة الحساسية للتطورات والأحداث السياسية فى المنطقة، ومن ثم معرضة للتدهور فى أى لحظة وعند وفاة السادات وصلت الديون إلى 30 مليار دولار. تسلم الرئيس حسنى مبارك الدولة وهى فى أسوأ أحوالها الاقتصادية؛ وحرص مبارك فى بداية عهده على تهدئة الأوضاع فى البلاد خصوصا فى مجال الاقتصاد الذى تردت حالته بشكل فظيع، فقد أعلن توليه مشروع وطنى وكانت التنمية الاقتصادية على قمة هذا المشروع وهذا ما كان يتحدث عنه مبارك فى كل المناسبات عن انجازاته فى مجالات الاقتصاد المصرى، وعن نجاح سياسة الإصلاح الاقتصادى. وهو أمره اعتبره مراقبون مخالفا للواقع، فلم يكن نظامه بحال من الأحوال يعمل لأجل الإصلاح الاقتصادى، أو يأخذ فى اعتباره مصلحة الوطن والمواطن، بل كان نمطا رأسماليًا مافياويًا لا ضوابط له ولا مساءلة عن نتائجه التى كانت جميعها تصب فى مصلحة فئة رجال الأعمال المرتبطين عضويًا بالنظام وحزبه الحاكم، فى المقابل انهارت الأنشطة الأخرى كالصناعة والزراعة، ومن ثم انعدمت فرص العمل وزادت معدلات البطالة، وتراجعت عوائد النمو الاقتصادى مع تنامى عمليات تهريب الأموال إلى الخارج. كان الوضع الاقتصادى فى عهد مبارك يسير من سىء إلى أسوأ فزادت معدلات البطالة إلى حوالى 29% ممن هم فى سن العمل وذلك على الرغم من توافر فرص العمل ولكنها محجوزة لفئة بعينها من أبناء المسؤولين والمرتبطين بالحزب الحاكم، ومن الجرائم الاقتصادية العظمى التى ارتكبت فى حق مصر وهى كثيرة ولكن يأتى على رأسها جريمتان سيظل تأثيريهما التدميرى إلى وقت طويل حتى يمكن لمصر تدارك نتائجهما؛ وهاتان الجريمتان هما الخصخصة وتخفيض سعر الجنيه المصرى، وأدى ذلك إلى قيام الثورة على نظام مبارك وإسقاطه.