يوم الأربعاء الماضى 2 يوليو حلّت الذكرى السادسة والتسعون لميلاد الشيخ إمام محمد أحمد عيسى، الشهير بالشيخ إمام، المولود سنة 1918 والمتوفى فى يونيو 1995، والذى شكّل مع الفاجومى أحمد فؤاد نجما واحدا من أشهر ثنائيات الفن المقاوِم فى التاريخ المصرى والعربى، حتى إننا لا نذكرهما إلا معا، فنقول «هذه أغنية إمام ونجم أو نجم وإمام»، حتى لو لم تكن كذلك مثل «اتجمعوا العشاق» التى لحنّها إمام، لكنها من تأليف الرائع زين العابدين فؤاد، لدرجة أن الجمهور طلبها من الفنان أحمد إسماعيل فى احتفال مركز إعداد القادة بآخر عيد ميلاد لأحمد فؤاد نجم وفى وجوده ووجود زين العابدين فؤاد (!). كنتُ سعيد الحظ بصداقة الأسطورة أحمد فؤاد نجم عقب بلاغى بخصوص عمر أفندى سنة 2006 حتى وفاته فى ديسمبر 2013، ولم أسعد بصداقة الشيخ إمام، وإن كنتُ قد تعرفتُ عليهما قبل ذلك بكثير مثل الملايين من عشاقهما. كانت البداية فى السبعينيات عندما استمعتُ إلى كلمات بعض أغانيهما على ألسنة بعض أصدقائى المدنيين فى إجازاتى الأسبوعية فى أثناء دراستى بالكلية الفنية العسكرية، فانبهرتُ بكلمات نجم مجرّدةً دون تلحينٍ ولا غناء.. إلى أن استمعتُ إلى بعض هذه الكلمات مجسّدةً فى صوت وألحان الشيخ إمام فى شريطٍ بدائىٍ مهرّبٍ فى نهاية السبعينيات، ثم عبْر شرائط أخرى أكثر نقاءً بصوت إمام، فاكتشفتُ أن اللحن المُعبّر والصوت الصادق لإمام كانا بمثابة الجناحين اللذين حلّقا بالكلمات المعجزة لنجم إلى سماء الوجدان الشعبى. إن هذا الثنائى المعجزة يُذكرّنا بمصر البهية الولاّدة التى تزداد خصبا كلما ازداد عمرها، والقادرة دائما على مفاجأة الدنيا بمولودٍ جديدٍ عندما يظن الجميع أنها وصلت إلى سن اليأس.. بهية التى تلد النور عندما يُطبق الظلام، والجمال عندما يسود القُبح، وبسمة الأمل من بين عبوس الهزيمة.. بهية العجيبة المعجبانية التى فاجأت الجميع من عُمق وعقم النكسة بهذا الوليد التوأم الذى يستحيل أن يلتئم إلا فى رَحِم بهية.. إمام ونجم. لم أجد تقييما فنيا للشيخ إمام أروع من تقييم أحمد فؤاد نجم له فى حواره مع الأستاذ سيد مهدى عنبة، أحد المتبتلين فى محراب هذا الثنائى الفذّ. قال أحمد فؤاد نجم «محمد عبد الوهاب قال عن الشيخ إمام إنه صوت ذكى، والودن تألفه بسرعة، وإنه بيعطى الكلمات معناها اللحنى من وجهة نظره.. وده كلام واحد خبير، عبد الوهاب بقى.. أما أنا فأقول إن الشيخ إمام كملحنٍ يعتبر ملحنا جيدا جدا.. لكنه كمؤدٍ يعتبر مؤديا عبقريا، لأنه هضم كل المنشدين العظام فى مصر المحروسة.. بدءا بالشيخ على محمود ومرورا بالسيدة فتحية أحمد مطربة القطرين والشيخ محمد رفعت والشيخ زكريا أحمد والشيخ درويش الحريرى أستاذه المباشر.. كمان الشيخ إمام كان جوّاه مسرح، زيّه زى بعض الفنانين العظام، وعلى رأسهم سيد درويش وزكريا أحمد ومحمود شكوكو.. علشان كده كان الشيخ إمام بياخد الكلمات ويمسرحها جواه ويؤديها، فيشعر المتلقى بأنه يرى معانى الكلمات». تعرض الشيخ إمام إلى قدرٍ من التعتيم الإعلامى أو الظلم غير المقصود بالمقارنة بنجم لأسبابٍ قدريةً بحتة، فقد كان من حظ عم أحمد (وحظّنا) أنه عاش ثمانية عشر عاما بعد وفاة الشيخ إمام (هو أصلاً أصغر من الشيخ إمام بأحد عشر عاما) وكانت هذه الأعوام هى سنوات ظهور وانتشار الفضائيات الخاصة التى عوّضت مقاطعة التليفزيون الحكومى للثنائى التاريخى، ودخل أحمد فؤاد نجم بروحه الشفافة وتلقائيته المحببة إلى بيوت وقلوب ملايين المصريين مباشرةً، وصار رمزا تَحلّق حوله المثقفون المنادون بالتغيير فى آخر سنوات مبارك، وهو ما لم يُتَح للشيخ إمام، رغم أن نجم لم ينتج شعرا يُذكر بعد وفاة توأمه.. وما بقى وسيبقى بإذن الله هو ما أنتجاه معا. أحسَن صديقى العتيد (كما يقول هو) المهندس نجيب ساويرس، بتخصيص جائزةٍ للشعر العامى باسم أحمد فؤاد نجم، أطلقها فى ذكرى مولده فى مايو، وستُعلن جوائزها فى ذكرى رحيله فى ديسمبر بإذن الله، وهى جائزةٌ مستقلةٌ عن جائزة ساويرس الثقافية، وكلتا الجائزتين بادرةٌ طيبةٌ تعيد إلى الأذهان نماذج المشاركة المجتمعية لبعض أثرياء مصر فى الماضى، ولا أذكر لهما نظيرا من رجال الأعمال المصريين فى الأعوام الأخيرة، وكم أتمنى وكل أحباب هذا التوأم التاريخى (ومن بينهم نجيب نفسه) أن يُكمل نجيب ساويرس هذا الصنيع الطيب بتخصيص جائزةٍ باسم الشيخ إمام.. وأثق أنه سيفعل.