الكوميدى لدرجة البكاء ! قذف الله بنا فى أتون التجربة البشرية المقدسة.. وبعد أن تركنا لفترة نتخبَّط ونستكشف ونختبر طبيعة تلك التجربة.. قرر البدء فى إرسال مجموعة من الرسائل المكتوبة بشفرة سرية لنا والتى لا يستطيع فك شفرتها سوى عقل فاهم وواعى.. فقط عقل فاهم وواعى.. وعندما قرر الله اختتام تلك الرسائل.. بدأ رسالته الأخيرة لنا بكلمة ذات مغزى مثل تلك.. «اقرأ».. ثم تركنا بعدها لشأننا ولتجربتنا المقدسة نخوضها حتى الرمق الأخير.. لتبدأ بعدها فترة زمنية جديدة من فترات التجربة البشرية.. فترة لا تحتوى على رسائل مباشرة عبر أنبياء يحيون معنا أو حتى ننتظر بزوغهم من بيننا.. ولتبدأ بعدها رحلتنا نحو التعرف على الله.. وهى الرحلة التى يسلك كل منا طريقا خاصا به خلالها.. البعض يختار التعرف على نفسه أكثر كسبيل وحيد وأساسى نحو التعرف على الله.. إذ كيف يدرك المخلوق خالقه دون أن يدرك نفسه أولا.. وتلك هى الطريق التى سوف تفضى بك إلى التأكد من أن الله فى الأساس طاقة حب.. وأنه لا ينتظر منَّا شيئا سوى أن نحبه.. فقط أن نحبه.. بينما يختار البعض الآخر طريقا آخر للوصول إلى الله وهو طريق الترديد والحفظ والصم دون فهم.. وهو الطريق الذى لن يفضى بك سوى إلى عدم معرفتك لنفسك وبالتالى عدم معرفتك لخالقك.. ولأن عدم المعرفة لن تفضى سوى إلى المجهول.. لهذا.. ودون أن تشعر سوف تجد نفسك فى مواجهة خالقك «خائفا منه» بدلا من أن تكون «محبا له».. لينتهى بك الحال سائرا فى الشارع آخر الليل سكران وضائع ومحبط وبتطوح وأنت تخاطب السماء مثل «عدلى» أو العظيم والأيقونة الفنية «محمود حميدة» فى فيلم «بحب السيما».. «أنا بعد العمر دا كله.. اكتشفت إنى ما أعرفكش.. أنا أعرف شوية فرائض وأوامر ونواهى.. لكن ما أعرفكش.. كل الناس دول بيتكلموا عنك.. بس ما يعرفوكش»! «سلسلة طويلة من الخوف والكبت والجُبن والكدب.. والعمر قصير عشان نضيعه فى المتاهه دى».. تلك هى النتيجة التى وصل لها «محمود حميدة» الذى فى سبيل الحصول على «آخره بيضا» قرر أن يعيش هو وأسرته «عيشة سودا».. وهى النتيجة التى تقوده إلى ذلك السؤال المفزع الذى يضعه ويضعنا معه أمام مرآتنا البشرية المشروخة والكاذبة والمتناقضة.. «يعنى لو مافيش ولا جنة ولا نار.. كنت حاعمل نفس الحاجات»؟! لو أراد الله لنا ألا نخطئ أبدا.. لخلقنا منذ البداية ملائكة.. ولو أراد لنا أن نكون مدفوعين بغريزتنا فقط لخلقنا منذ البداية حيوانات.. لكنه أرادنا بشرا.. بشرا تتنازعهم شهوة غرائزهم من جانب فتنتصر أحيانا بينما تتنازعهم حكمة عقولهم من جانب آخر فتنتصر أحيانا أخرى.. ومن ذلك الصراع الأزلى بين غرائزنا وعقولنا وبين شهوتنا وحكمتنا تنبثق القوة الدافعة لتسيير تلك التجربة الدرامية المسماة.. حياه.. تلك الهبة الجميلة والمعجزة العظيمة التى منحها الله لنا أو منحنا لها لنعيشها ونفهمها ونحاول تغييرها للأفضل.. لكننا قررنا اختزالها بكل جلالها ورونقها فى مجرد حصالة.. حصالة لتحويش أكبر عدد ممكن من الحسنات التى عن طريقها يمكننا الدخول إلى الجنة ِعِدل.. وفى خضم عملية الحساب والتحويش تلك قررنا إقناع أنفسنا بأننا طيبون بالفعل وبأننا نفعل الخير ونأتى الحسنات ابتغاء مرضاة الله وليس ابتغاء امتلاء الحصالة.. فانهمكنا فى التمثيل على أنفسنا وعلى الآخرين وعلى ربنا ونسينا السبب الرئيسى الذى من أجله أتينا إلى تلك الحياة.. ألا وهو.. أن نحياها! إنه فيلم الحياة الذى ينبغى علينا أن نستشعر الرهبة أثناء أداء أدوارنا المزدوجة فيه كممثلين ومشاهدين فى الوقت نفسه.. والذى لا نملك سوى الانصياع فيه لكلمة «أكشن» التى ننزلق بعدها على طول من بطون أمهاتنا لنخوض الكثير من الصراعات مع أنفسنا والآخرين والحياة والطبيعة والعالم.. حكايات وقصص ودراما وعذابات وآلام وأفراح وضحك وبكاء وغرام وانتقام وحب وكراهية وتسامح وحقد ووفاء وخيانة وغدر وإخلاص وسعادة وتعاسة.. ثم.. CUT.. نسمعها فنخرج من دار العرض فى هدوء تاركين رفاقنا يواصلون أدوارهم فى الفيلم الذى ترتكز حبكته الرئيسية على أنك سوف ينبغى عليك أن تنفق معظم عمرك تقريبا لكى تكتشف فى النهاية أنه فيلم.. مجرد فيلم سيما.. قد يبدو لك أحيانا تراجيديا بعنف.. وأحيانا أخرى ميلودراميا بغباء.. إلا أنه فى جميع الأحوال كوميدى لدرجة البكاء!