«من هو أول شخص وضع يده على قطعة أرض وقال.. الأرض دى بتاعتى؟! من هو أول شخص باع شيئا؟ ومن الذى أعطاه الحق فى هذا البيع؟! ماذا نعرف عن الحياة على سطح الأرض؟! كم عدد الكائنات التى نعرفها؟! هل نعرف عُشرها مثلا؟! أو ربما 1% منها؟! ماذا نعرف عن الأواصر والعلاقات التى تجمع تلك الكائنات ببعضها البعض؟! تساؤلات دون إجابات سوف تفضى بك إلى تساؤلات أخرى دون إجابات أيضا، وسوف يكون أفضل بكثير أن نسأل أنفسنا سؤالا مثل ذلك السؤال.. الشجرة.. تلك المعجزة الحية التى تتحدى الجاذبية الأرضية والتى على الرغم من أن جذورها تشدها إلى الأرض فإن جسدها نفسه يأبى أن يتجه سوى إلى السماء.. تلك الشجرة التى استغرقت الأرض 4 مليارات سنة لتنتجها لنا.. هل كان ينبغى علينا أن نقطعها؟! وهذا البترول فى باطن الأرض.. هل كان ينبغى علينا أن نستخرجه؟! وتلك الجبال الكثيرة.. هل كان ينبغى علينا أن نفجرها؟! وتلك البيوت وناطحات السحاب.. هل كان ينبغى علينا أن نبنيها؟! عموما.. وبصرف النظر عن هل كان ينبغى علينا أن نفعل ذلك؟ أو هل كان ماينبغيش؟ المهم أننا فعلناه وخلاص.. اشترينا طوال تاريخنا البشرى المحدود بالنسبة لتاريخ الكوكب بضاعة بالعبيط.. والآن جاء وقت الحساب وموعد تسديد الفاتورة! إذن.. أعطانا الله ثلاثة أوبشنات نتعامل من خلالها مع تجربة الحياة.. أعطانا كوكبا وعقلا وغريزة.. فأما فى ما يخص الكوكب.. فقد بدأ الإنسان فى تكسير الجبال لعمل الطوب وبناء المدن.. ثم اكتشف الزراعة ليستقر فى مكانه بدلا من التنقل وراء الغذاء.. ثم اكتشف الطاقة الهائلة فى باطن الأرض.. الفحم والغاز والبترول.. فقرر استخراجها ليختلف شكل الحياة تماما فى ال60 سنة الأخيرة اختلافا موازيا للاختلاف الذى استغرق 200 ألف سنة فى ما سبق.. وانتقل العالم من ثورته الزراعية إلى ثورته الصناعية وصنع الآلة ليبدأ أخيرا فى الشعور ببعض الراحة بعد 200 ألف سنة من الأشغال الشاقة المؤبدة، وعندها تتحرك غريزة الطمع فتدفع العقل تجاه اتخاذ قرارات كثيرة خاطئة من شأنها جعل الثمن الذى ينبغى علينا أن ندفعه باهظا أكثر وأكثر.. نبدأ فى رش المزروعات بالمبيدات الحشرية فتختلف تركيبة التربة شيئا فشيئا وتتحول الخضراوات والفواكه إلى محض بلاستيك.. ثم يبدأ تفكيرنا فى ضرورة توفير اللحوم لكل ذلك العدد من البشر (6 مليارات بنى آدم) على الأقل مليار منهم بياكل لحمة.. إذن ليس هناك سوى زيادة حجم الماشية فى عمر أقل من عمرها الطبيعى.. وعنها.. ننهمك فى توفير فول الصويا وحبوب البروتين للماشية مع العلف فتتخن وتربرب.. ولكنه تخن وربربة على الفاضى.. لاحظوا أننا عندها سوف ينبغى علينا استخدام مساحات كبيرة من الأراضى الزراعية لزراعة فول الصويا من أجل تسمين الماشية.. وهو ما ينعكس بالسلب على محاصيل أخرى كثيرة.. وأما فى ما يخص الثروة السمكية على كوكب الأرض يُعد ما يحدث الآن من صيد الأسماك قبل إكمال دورة حياتها الإنتاجية والتكاثرية جريمة كاملة مع سبق الإصرار والترصد.. ولكن المشكلة أن المجرم الذى ارتكب الجريمة ولا يزال يرتكبها هو نحن أنفسنا البشر.. نحن هؤلاء الأبرياء والمجرمون فى نفس الوقت.. أعطانا الله كوكبا على المحارة.. فأفسدنا تشطيباته.. وأعطانا طبيعة متظبطة بالورقة والقلم والمسطرة.. فخربأناها وخرتأناها وأفسدناها.. وأعطانا عقلا يمكننا به اتخاذ قراراتنا فى ضوء المعطيات الأساسية لكل مشهد فى الاسكريبت.. وأعطانا غريزة لترجيح قراراتنا من عدمه.. أعطانا الله كل تلك الأوبشنات.. فماذا فعلنا بها؟! انهمكنا فى النخورة فى الكوكب حتى بدأ يفقد موارده وكنوزه وثرواته وبتروله وماءه وبدأت ظاهرة الانبعاث الحرارى تتفاقم ومشكلة تناقص الاحتياطى العالمى من البترول تتضخم.. وبحثا عن السيطرة على البقية الباقية من احتياطى البترول خاضت الدول حروبا مع بعضها البعض وسُفِكَ كثير من الدماء.. وكما بدأ الكوكب يفقد موارده بدأت عقولنا تفقد اتزانها.. وتركنا أنفسنا لغريزتنا الرئيسية والأكثر تأثيرا فينا كبشر.. غريزة البقاء والاستمرار على قيد الحياة.. تلك الغريزة التى ويا للعجب ينبغى علينا لكى نشبعها أن نفنى أولا.. وهذا هو ما يتجه إليه كوكبنا الأرضى العزيز الذى ينبغى عليه أن يعثر على مصادر للطاقة البديلة قبل عام 2025.. هذا وإلا.. الشمبرة وبئس المصير! تلك كانت هى حكاية كوكبنا الأرضى العزيز، أما عن حكايتنا نحن البشر.. فهى أبسط مما تبدو لنا بكثير.. فنحن تلك الكائنات المسكينة.. الذين وجدنا أنفسنا فجأة فى مدخل صالة بيت قديم أخبرونا أنه بيتنا.. ولكننا وقفنا فى الصالة محتارين ومتسائلين ونحن ننظر إلى أبواب الغرف المغلقة فى وجوهنا.. ونتساءل.. «إزاى يبقى بيتنا.. ونبقى مش عارفين فيه إيه مستنينا ورا أبواب الأُوض»؟! المصدر : جريده التحرير