رئيس «الشيوخ»: المجلس قدم 17 دراسة أثر تشريعي ساهمت في كشف أوجه القصور بالتشريعات    4 توصيات للجنة العامة ب"النواب" حول اعتراض الرئيس على قانون الإجراءات الجنائية    «الشيوخ» يوافق على استقالة 14 عضوا لرغبتهم الترشح في انتخابات مجلس النواب    رئيس مجلس النواب: ذكرى أكتوبر ملحمة خالدة وروحها تتجدد في معركة البناء والتنمية    المستشار ناصر رضا عبدالقادر أمينًا عامًا جديدًا لمجلس الدولة    سباق مبكر على مقاعد النواب فى الأقصر .. السوشيال ميديا تشعل المنافسة    اليورو يواصل التراجع بمنتصف التعاملات اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025 أمام الجنيه    استقرار أسعار الحديد والأسمنت في الإسكندرية اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025    السفير التشيكي يزور دير المحرق بالقوصية ضمن جولته بمحافظة أسيوط    الحكومة تُحذر المتعدين على أراضى طرح النهر من غمرها بالمياه    الرقابة المالية: 773 مليار جنيه قيمة التمويل الممنوح من الجهات الخاضعة لها بنهاية يوليو 2025    قناة السويس 2025.. عبور 661 سفينة إضافية وتقدم 3 مراكز عالميًا وزيادة الطاقة الاستيعابية ب8 سفن    الجيش الإسرائيلى ينفى دخول سفن "أسطول الصمود" للمياه الإقليمية قبالة غزة    الصحة بغزة: الوصول إلى مجمع الشفاء الطبي أصبح خطيرا جدًا    4 إصابات جراء هجوم بسكين خارج كنيس يهودى شمال مانشستر    زيلينسكي يحذر أوروبا: روسيا قادرة على انتهاك المجال الجوي «في أي مكان»    فى ذروة موسم الحصاد.. الإغلاق الحكومى يعمق أزمات المزارعين الأمريكيين    من هم شباب حركة جيل زد 212 المغربية.. وما الذي يميزهم؟    الأهلي يطمئن على جاهزية الشحات للمشاركة أمام كهرباء الإسماعيلية    أحمد حمدى يقترب من المشاركة مع الزمالك فى غياب السعيد    ياسين منصور وعبدالحفيظ ونجل العامري وجوه جديدة.. الخطيب يكشف عن قائمته في انتخابات الأهلي    شوبير يكشف تطورات مفاوضات الأهلى مع المدرب الأجنبى    حمادة عبد البارى يعود لمنصب رئاسة الجهاز الإدارى لفريق يد الزمالك    الداخلية تطيح بعصابة مخدرات ظهرت فى مقطع على مواقع التواصل الاجتماعى    "سحر باللبن".. مشادة سيدة و"سلفتها" تنتهى بضبطهما بعد تهديدات بأعمال الدجل    " تعليم الإسكندرية" تحقق فى مشاجرة بين أولياء أمور بمدرسة شوكت للغات    كشف غموض العثور على جثة رضيع داخل كيس قمامة بأحد شوارع شبرا الخيمة    الثقافة والإسكان تتعاون فى إضاءة البرج الأيقوني..وفرحت مصر – 6 أكتوبر    القومي للسينما يعلن عن مسابقة سيناريو ضمن مشروع "جيل واعي – وطن أقوى"    جاء من الهند إلى المدينة.. معلومات لا تعرفها عن شيخ القراء بالمسجد النبوى    بعد انفصال 4 سنوات.. ليلى عبداللطيف تتوقع عودة ياسمين صبري ل أحمد أبوهشيمة    "نرعاك فى مصر" تفوز بالجائزة البلاتينية للرعاية المتمركزة حول المريض    الاستجابة ل3307 استغاثات خلال 3 أشهر.. مدبولي يتابع جهود اللجنة الطبية العليا    حقيقة انتشار فيروس HFMD في المدراس.. وزارة الصحة تكشف التفاصيل    إنقاذ حياة طفلين رضيعين ابتلعا لب وسودانى بمستشفى الأطفال التخصصى ببنها    أسماء الأدوية المسحوبة من السوق.. أبرزها مستحضرات تجميل وخافض حرارة    الكشف والعلاج مجانًا.. جامعة بنها تواصل فعاليات مبادرة «لمسة وفاء» لرعاية كبار السن بشبرا الخيمة    رئيس الوزراء: الصحة والتعليم و"حياة كريمة" فى صدارة أولويات عمل الحكومة    مبابي يقود قائمة يويفا.. وصراع شرس مع هالاند وهويلوند على لاعب الأسبوع    مبابي ينصف جبهة حكيمي بعد تألقه اللافت أمام برشلونة    في أول عرضه.. ماجد الكدواني يتصدر إيرادات السينما بفيلم فيها إيه يعني    احتفالات قصور الثقافة بنصر أكتوبر.. 500 فعالية بالمحافظات تعكس دور الثقافة في ترسيخ الهوية المصرية    الرقابة المالية تصدر ضوابط إنشاء المنصات الرقمية لوثائق صناديق الملكية الخاصة    مفهوم "الانتماء والأمن القومي" في مناقشات ملتقى شباب المحافظات الحدودية بالفيوم    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية والتعاون الدولي السوداني    حقيقة فتح مفيض توشكى والواحات لتصريف مياه سد النهضة.. توضيح من خبير جيولوجي    أرتيتا: جيوكيريس يتحسن باستمرار حتى وإن لم يسجل    الداخلية تكتب فصلًا جديدًا فى معركة حماية الوطن سقوط إمبراطوريات السموم بالقاهرة والجيزة والبحيرة والإسكندرية    الداخلية تضبط 100 حالة تعاطٍ للمخدرات وقرابة 100 ألف مخالفة مرورية في 24 ساعة    هل الممارسة الممنوعة شرعا مع الزوجة تبطل عقد الزواج.. دار الإفتاء تجيب    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025 فى المنيا    مصرع وإصابة 11 شخصا إثر حريق هائل يلتهم عقارًا في فيصل    «الداخلية»: القبض على مدرس بتهمة التعدي بالضرب على أحد الطلبة خلال العام الماضي    بقرار جمهوري، مجلس الشيوخ يفتتح اليوم دور الانعقاد الأخير من الفصل التشريعي    ترامب يقرر اعتبار أي هجوم على قطر هجومًا على أمريكا    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«فهرنهايت» السلفيين..!!
نشر في التحرير يوم 06 - 01 - 2012

«من عادة البؤس أنه قد يبدأ مسيرته الرهيبة من الاقتصاد والاجتماع، لكنه لا يتوقف أبدا بعد ذلك عند بطون الناس الخاوية وأجسادهم الهزيلة التى تعربد فيها شتى صنوف العلل والأمراض، وإنما يتمادى ويستفحل فيعصف ويسحق فى طريقه العقول والأفهام والأرواح، بل والأخلاق والضمائر أيضا.. هنا بالضبط تكتمل مهمة البؤس ويقعد مستقرا مرتاح البال ومتهنيَّا».
هذه كلمات قديمة كتبتها قبل نحو ثلاثة أعوام، مستهلا بها تعليقا حزينا على خبر أثار وقتها ضجة كبيرة مختصرة أن المركز الثقافى البريطانى فى القاهرة قرر إغلاق مكتبته العامة تماما ونهائيا لأن «المصريين لا يقرؤون وليسوا من محبى الكتب».. وهذا هو نص ما قاله آنذاك الخواجة مدير المركز، مدعما حكمه القاسى ذاك ببيانات وأرقام مخجلة عن أعداد الذين ما زالوا يتعاملون مع المكتبة، مما يجعل استمرار الإنفاق عليها ضربا من العبث وإهدارا سفيها لأموال الشعب البريطانى!! واليوم أستحضر التعليق القديم هذا بمناسبة خبر آخر مستجد، أظنه أسوأ وأكثر بلاغة فى التعبير عن حالتنا الراهنة.. الخبر الجديد ليس منشورا، وإنما سمعته من صديق، بينما كنا نتسامر ونتسلى بالطرائف المضحكة المبكية التى يجترحها الإخوة السلفيون هذه الأيام، وآخر حوادث عربداتهم الظلامية الجهولة، لا سيما بعدما أعلن فريق منهم تأسيس جماعة ستتولى بالعافية والإرهاب فرض الأمر بالمنكر والنهى عن المعروف (العبارة السابقة صحيحة وأقصدها تماما). فأما خلاصة ما أنبأنى به صديقى هو أن جماعة «المنكر» آنفة الذكر بدأت شغل البلطجة فعلا، وأن باكورة نشاطها الإجرامى لم يقتصر على اقتحام حياة الناس والعدوان على حرياتهم الشخصية، بل وصل إلى محاولة إشاعة الظلام العقلى على ما تشير حادثة غريبة شهدتها بلدته (غير البعيدة عن القاهرة) الأسبوع الماضى، إذ قام قطيع من الدهماء يجمعهم الجهل وطول اللحية بتهديد رجل عجوز ينصب من سنين طويلة فرشة لبيع الكتب القديمة، بأنهم سيحرقون فرشته إذا لم يستجب لأوامرهم ويتخلص مما سموه «كتب الكفر» التى يعرضها.. ما هى كتب الكفر تلك؟! نسخ متناثرة من روايات لإحسان عبد القدوس، وأمين يوسف غراب، ونجيب محفوظ!!! و.. أعود إلى سطور التعليق الحزين القديم فقد جاء فيه: هذا الخبر المؤسف ذهب بى إلى أجواء فيلم «فهرنهايت 451»، المأخوذ عن رواية بالعنوان نفسه ألفها الكاتب الأمريكى راى برادبرى واقتبسها فى عام 1966 فرانسوا ترافو، أحد أبرز مخرجى ما سمى فى ستينيات القرن الماضى سينما «الموجة الجديدة» الفرنسية. رقم «451» المعنون به الفيلم والرواية هو درجة الحرارة المناسبة لحرق الكتب طبقا لوحدة قياس «فهرنهايت» التى تعتمدها أجهزة دولة إرهابية وفاشية (خيالية)، بينما هى تمد سطوتها وتسلطها إلى عقول الناس وتظهر عداء واحتقارا شديدين للمعرفة والثقافة مجسدة فى الكتب بالذات، حتى إنها أسست هيئة حكومية كاملة مهمتها تلقى البلاغات والوشايات عمن يحوزون هذا الصنف من وسائل المعرفة، وبناء عليه تتحرك وحدات الفرقة المذكورة لحرق الكتب وإبادتها، واعتقال من ضبطت بحوزتهم ورميهم فى السجون أو المصحات العقلية. الشخصية المحورية فى الرواية والفيلم يدعى «جاى مونتاج» يعمل مجندا فى وحدة من هذه الوحدات، وهو يؤدى عمله ويشعل الحرائق فى الكتب بطريقة روتينية وبغير عواطف سلبية أو إيجابية، وإنما كواجب وظيفى فحسب، إذ إنه لم يختر تلك المهنة، بل ورثها عن أبيه الذى ورثها بدوره عن جد «جاى»، غير أن هذا الأخير يلتقى ذات مساء بجارته «كلاريسا ماكليلان» التى يشاع عنها أنها ربما مجنونة أو بلهاء، فقط لأنها تبدو وكأنها تفكر ولا تكف عن طرح أسئلة تبدأ كلها ب«لماذا»! ومع تتابع مشاهد الفيلم نرى كيف نجحت «كلاريسا» فى نقل عدوى التفكير (المحظور أساسا) إلى جارها «مونتاج»، فإذا به يتجرأ ويبدأ فى سؤال نفسه عن معنى حياته ومعنى السعادة.. إلخ، ومن هنا تبدأ مسيرة تحولاته الفكرية التى ستزداد وتيرتها وسرعتها بعد أن يشارك فى حرق مكتبة سيدة عجوز أصرت أن تبقى وسط النار المشتعلة فى كتبها وماتت معها. لم يمض وقت طويل حتى أوصلته هذه التحولات إلى العصيان والتمرد النهائى، ليس فقط على مهنة حرق الكتب، ولكن على النظام القمعى كله الذى صادر عقله واستلب أرواح الناس وأدمغتهم.. وفى النهاية ينخرط «رجل النار» فى جماعة المثقفين المناضلين من أجل استعادة العقول والأرواح السلبية، بل ويذهب معهم إلى المكان النائى الذى يتحصنون فيه من البطش، حيث يمضون أوقاتهم يتمتمون ويحفظون الكتب، وقد تسمى كل واحد منهم باسم كتاب معين ومؤلفه، فهذا كتاب «جمهورية أفلاطون»، وذاك «هاملت» شكسبير، وآخر تقمص كتاب «العهد القديم» أو «الكوميديا الإلهية» لدانتى.. وهكذا صار الجميع «كتبا» من لحم ودم تستعصى على الحرق وتحفظ المعارف الإنسانية لحين يأتى الخلاص!

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.