بدأ تنظيم القاعدة عام 1988 كمحاولة من أسامة بن لادن وآخرين لخلق قاعدة بيانات بأسماء وقدرات المقاتلين المسلمين، الذين شاركوا فى حرب أفغانستان ضد السوفييت من أجل استدعائهم والاستفادة من خبراتهم عندما يطرأ أى خطر يتهدد العالم الإسلامى. ولعل الفكرة على بساطتها لم تكن قد اصطدمت بعد بالأنظمة الحاكمة فى العالم الإسلامى، بل نشأت فى أحضان المخابرات السعودية والباكستانية، ومن ورائهما الأمريكية. وإبان الغزو العراقى للكويت، جاهر بن لادن برفض استقدام قوات أجنبية إلى بلاد المسلمين، حيث كان يُفضل أن يُعهد بهذا الأمر إلى قوات المجاهدين، التى سبق وحررت أفغانستان لتحرر الكويت. فى ما شكل نقطة فارقة بعلاقته وتنظيمه الجديد بالأنظمة الحاكمة فى المنطقة، حيث اعتبرها عدوا قريبا يتآمر على المسلمين مع العدو البعيد، الذى يتمثل فى الغرب، خصوصا الولاياتالمتحدة. ومن هنا فالقصة معروفة، حيث حاول بن لادن من خلال علاقاته وأمواله دعم بعض الأنظمة الإسلامية المتطرفة فى السودان وأفغانستان دون أن يكون للقاعدة طموح حقيقى بتأسيس دولة. ففلسفة القاعدة هى بالأساس القيام بأعمال عنيفة/ إرهابية ضد مصالح الغرب أو الأنظمة الحاكمة المتحالفة معها فى المنطقة للإعلان عن رفض الظلم الواقع فى فلسطين ومختلف البلدان الإسلامية. ولذا فالقاعدة لم تكن تنظيما بالمعنى التقليدى، بل هى أقرب إلى شبكة من الناقمين على الوضع القائم يسجلون غضبهم بتفجيرات تستهدف المصالح الغربية وتدهس فى طريقها من لا ناقة له ولا جمل. الغزو الأمريكى للعراق كان نقطة فاصلة، حين خلق مظلمة جديدة استغلتها القاعدة لتعزيز حجتها، ثم أسهم تفكيك الجيش والشرطة بالعراق فى خلق فراغ أمنى ملأته القاعدة باقتدار مضيفة إلى قائمة أعدائها المسلمين الشيعة. لتحول بذلك بوصلة القتال فى العراق من مقاومة الاحتلال إلى قتل الشيعة فى حلقة مجنونة من الحرب الأهلية، التى أضرت بالعراق، ربما أكثر من الغزو نفسه. لكن ما عطل نشاط القاعدة فى منطقتنا، ربما لأشهر قليلة، لم يكن الخطط الخارقة لمكافحة الإرهاب التى صاغتها الأنظمة الحاكمة، بل الثورات الشعبية السلمية التى بدأت فى تونس، وانتقلت تلقائيا إلى مصر وسوريا وليبيا واليمن وغيرها. إذ شعر الشباب أن الفعل الغاضب ضد الظلم والاستبداد من الممكن أن يكون سلميا وفاعلا فى تغيير مصير بلادنا دون الحاجة إلى التطرف والعنف والتكفير. حينها ضُربت فكرة القاعدة فى مقتل، لأن التغيير قادم بالسلمية، مطالبا بالحرية والعدل والكرامة. لكن حينما واجهت الأنظمة الحاكمة الشباب السلمى الطامح للحرية بالعنف المفرط، وجدت القاعدة الفرصة سانحة من جديد، وطوّرت نفسها من مجرد شبكة إلى محاولة لإرساء دولة تجبى الضرائب وتسيطر على حقول النفط وتقيم الحدود وتُصفى معارضيها بوحشية تفوق بطش الأنظمة. هذه ببساطة القصة وراء داعش وأخواتها، إذ عندما واجه المستبدون مطالب الحرية بالرصاص وعندما يئس الشباب من التغيير السلمى وعندما غض العالم طرفه عن المجازر فى سورياوالعراق وغيرها، أصبحت التربة خصبة لتوسع «داعش» وطموحها المتنامى. فالتطرف ظهير للقمع والإرهاب هو بالضرورة وليد الاستبداد.