تهمتان فى مواجهة الاشتراكيين الثوريين بعد انتشار مقطع فيديو مأخوذ من إحدى الندوات التى ينظمونها باستمرار. مقطع الفيديو كان يتحدث فيه أحد الاشتراكيين الثوريين عن ضرورة استكمال الثورة بهدم مؤسسات مبارك وبناء دولة الثورة عبر الاحتجاجات الجماهيرية والإضرابات العامة اتخذ كذريعة لتوجيه التهمتين. التهمة الأولى جاءت من الخصوم وكانت محاولة الاشتراكيين الثوريين هدم الدولة ومؤسساتها. أما الثانية فجاءت من الأصدقاء وكانت افتقاد الاشتراكيين الثوريين الذكاء السياسى. المفاجأة جاءت من المتهمين. فرغم قسوة التهمتين وخطورتهما على أى تيار سياسى فإن الاشتراكيين قرروا الاعتراف بالتهمتين معا. نعم نريد هدم دولة مبارك، ونعم الذكاء السياسى ليس أحد خصائصنا. لا يرى الاشتراكيون فى هدم الدولة أى تهمة بعد الثورة. لأن الثورة، فى حد ذاتها، محاولة لهدم دولة مبارك وبناء دولة جديدة على أسس جديدة غير القمع والاستغلال. هذا ما فهمه الاشتراكيون من الثورة، عملية هدم وبناء. تأكدت أكثر من مرة عبر هدم الحزب الوطنى الحاكم وبناء أحزاب جديدة وأكدها الثوار عندما اقتحموا مقرات مباحث أمن الدولة كأحد أهم أجهزة دولة مبارك. ولكن الاتهامات لم تكن بالطبع حسنة النية فربطت بين خطاب الاشتراكيين الثوريين الداعى لهدم دولة مبارك وممارسة العنف. رغم أن تاريخ الاشتراكيين الثوريين فى مصر، والذى يمتد لأكثر من عشرين عاما، يخلو من أى بادرة لاستخدام العنف. كذلك فإن كل نشراتهم وإصداراتهم تخلو تماما من أى دعوة للعنف. على العكس ففى كل مرة مرة تحدث فيها الاشتراكيون الثوريون عن العنف أكدوا موقفهم السياسى منه، والذى يتلخص فى رفض عمل الجماعات العنيفة لتناقضها مع توجه حركتهم الذى يعتمد على الاحتجاج الجماعى الجماهيرى، كما فى الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات، وليس عمل جماعات العنف المعزولة عن الحركة الجماهيرية. تهمة هدم دولة مبارك التى تواجه الاشتراكيين الثوريين هى نفسها ما يصرون عليه، معتبرينه هدف الثورة. الثورة التى ترفض الاكتفاء بتبديل أشخاص على نفس المقاعد واستبقاء النظام بمؤسساته وهيئاته وسياساته بعد استبدال رأسه. هل هذه تهمة يجب أن ينكرها أى ثورى. ما يرفضه الثوريون هو الاتهام بالتخريب والذى لم يقترن يوما بالاشتراكيين الثوريين. الحديث عن تحطيم دولة مبارك هو الحديث الذى تناولته قوى الثورة دائما، مقرونا ببناء دولة جديدة. وبالطبع لم يكن الحديث عن تحطيم جهاز مبارك الإعلامى يعنى هدم مبنى الإذاعة والتليفزيون. ولكنّ تغييرا جذريا فى عقلية الجهاز الإعلامى من جهاز يزيّف الحقائق من أجل تبرير سياسة الحكم إلى جهاز يقدم الحقائق ويحترم حق الجماهير فى المعرفة. كذلك كل أجهزة الدولة التى كانت تعمل دائما لصالح نظام فاسد ضد الجماهير، ويجب أن تتحول لخدمة الشعب. هذا هو المقصود بتحطيم دولة الاستبداد وبناء دولة الثورة. مؤسسة تعليمية تقدم خدمة التعليم وتبنى أجيالا قادرة على النهوض بالمجتمع، لا أجيالا مغيبة وخاملة. مؤسسة صحية تعالج المرضى لا تتاجر فى الصحة، مؤسسة أمنية تحمى الناس وتقاوم الجريمة، لا مؤسسة تقمع وتعذب. هل يبدو هذا الحديث مختلفا عن أهداف الثورة؟ بالطبع يختلف كثيرا عما يريده الكثيرون ممن يخشون على امتيازاتهم من الثورة. التهمة الثانية التى اعترف بها الاشتراكيون الثوريون كانت افتقادهم الذكاء السياسى. المقصود بعبارة الذكاء السياسى التى تطلق عادة هى تلك القدرة على المناورة وعمل التوازنات وإجراء الحسابات وإخفاء ما يضر وإظهار ما يفيد والحديث الذى يقبل أكثر من تفسير إلى آخر تقاليد العمل السياسى الذى احترفته الكثير من القوى والأحزاب السياسية. والحقيقة أن الاشتراكيين الثوريين لم يتمتعوا أبدا بهذا النوع من الذكاء، والأهم أنهم لن يتمتعوا به أبدا. والحقيقة أن الاشتراكيين الثوريين لم يحتاجوا أصلا إلى هذا النوع من الذكاء. لقد احتاجوا دائما إلى الذكاء الذى دفعهم للوجود الدائم بين عمال المحلة فى إضراباتهم وموظفى الضرائب العقارية وعمال السكر والمدن الصناعية الجديدة وطلاب الجامعات وسكان الأحياء الفقيرة والفلاحين فى القرى. الذكاء الذى تحلى به الاشتراكيون الثوريون هو الذى دفعهم دائما لطرح أفكارهم بوضوح واستقامة واعتماد النقاش والإقناع مع من يخالفهم، والتعاون مع الجميع فى القضايا المشتركة. سواء هدم دولة مبارك أو الافتقار إلى الذكاء السياسى، ليسا تهمتين يمكن أن ينكرهما الاشتراكيون الثوريون أو أى اتجاه آخر ينتمى إلى الثورة. بل إن الثورة هى التى يجب أن تتهم من يسعى للحفاظ على مؤسسات مبارك وسياساته وفق حسابات ومناورات، تسمَّى أحيانا بالذكاء السياسى