فوجئت مذهولا بنشر أخبار عقد ندوة فى مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، وذلك فى الصفحتين الأولى والخامسة لجريدة «التحرير» صباح السبت 31 مايو الماضى، «أى منذ عدة أيام»، تضمنت مشاركة مندوب عن حزب الحرية والعدالة «الذراع السياسية لجماعة الإخوان الإرهابية رسميا»، ومندوب عن حزب «النور» غير الدستورى وآخرين، وفى تصريح لنائب رئيس المركز والمسؤول عن عقد هذه المائدة المستديرة «د. عمرو هاشم ربيع»، أعلن أنه وجه الدعوة إلى كل القوى السياسية لحضور المؤتمر، ومن بين تلك القوى «الإخوان» وأعضاء من «الحزب الوطنى المنحل»، وأن الإخوان قبلوا الدعوة، بينما رفضها رجال الحزب الوطنى! وقد استهدفت الندوة مناقشة قانونى انتخابات البرلمان والحقوق السياسية. والسؤال: لماذا الذهول من تلك التصرفات التى دأب عليها الباحثون فى مركز الدراسات السياسية، وهو من أعرق المؤسسات البحثية والعلمية فى الوطن العربى؟! والحقيقة أن المركز كان فى الأصل عندما تم تدشينه فى أواخر الستينيات بعد هزيمة 1967 المؤلمة، كان اسمه مركز الدراسات الصهيونية، أى أنه فى الأصل كان لإعداد دراسات لتتبع الفكر الصهيونى ودولة إسرائيل الصهيونية، ثم تطور المركز، وأصبحت الدراسات الصهيونية جزءا من المركز، ليتحول إلى اسمه الحالى بعد حرب أكتوبر 1973، ثم تلاشت هذه النوعية من الدراسات تدريجيا بعد معاهدتى كامب ديفيد 1978، والاتفاقية المصرية الإسرائيلية مارس 1979، إلى أن سيطر عليه أصحاب الفكر التطبيعى «د. عبد المنعم سعيد، عضو لجنة السياسات بالحزب الوطنى المنحل»، وتكونت جماعة «كوبنهاجن» الشهيرة تحت رعاية مباشرة من السيد عمرو موسى، الذى كان وزيرا لخارجية مصر، وتنصل منها فى ما بعد، واستمر الحال إلى أن سيطر عليه جماعة التطبيع مع الإخوان ومؤسساتها «أ. ضياء رشوان وأغلب نوابه ومنهم نائب مدير المركز المنسق لهذه الندوة المشؤومة». ومن ثم نحن أمام مؤسسة أنشئت فى الأصل لتؤدى دورا وطنيا فى دراسة العدو الصهيونى، ويتقاضى العاملون فيها مرتباتهم من المال العام، وهو مال الشعب، والأصل أن يكون ولاؤهم وانتماؤهم إلى هذا الشعب وطموحاته. إلا أن هذه المؤسسة انحرفت للدفاع عن نظام الحكم فى أواخر حكم السادات، الذى كاد يغلقه لولا اغتياله، وعايشت هذه الفترة، وكنت باحثا من الخارج، وذلك من فرط تمسك المركز بثوابته، وكان تمويله من ميزانية الأهرام العامة بالكامل، لكن مع فترة حسنى مبارك بدأ التمويل الأجنبى للمركز، ومن جهات متعددة «أمريكية وأوروبية»، تظهر آثاره، ليتحول المركز، وتتم إعادة هيكلته، وتم إلغاء دوريات وكتب ودراسات خاصة بإسرائيل بعد اعتبارها دولة صديقة، ورأينا كيف أصبح السفيران الصهيونى والأمريكى صديقين للمركز، وضيفين عليه، وعلى مجلة «الديمقراطية» ورئيس تحريرها آنذاك «د. هالة مصطفى، عضو لجنة السياسات بالوطنى المنحل». وكانت هذه الزيارات مثار نقد شديد من المجتمع، الأمر الذى يؤكد انفصال المركز وإداراته ودورياته عن الشعب المصرى، الذى كان يهاجم بشدة هذه التوجهات التطبيعية، حتى إنه تم تعيين رئيس تحرير «السياسة الدولية» السابق من جماعة «كوبنهاجن» المدعومة من الحزب الوطنى الحاكم آنذاك. وقد حل محل هالة مصطفى رئيس تحرير إخوانى ما زال حتى الآن، ويتغطى برموز الحزب الوطنى المنحل، ولعل ما يؤكد ذلك تشكيل الهيئة الاستشارية لتحرير المجلة! وكان الأصل بعد ثورتى 25 يناير، و30 يونيو أن تعود هذه المؤسسة لممارسة دورها فى خدمة الشعب وتحقيق طموحاته وآماله ومطالبه الثورية، وأن الخارجين عن ذلك لا مكان لهم فى مجتمع الثورتين، وعليهم الرحيل، وهؤلاء فى علم دراسة الثورات «خونة» للشعب، وأن من يعمل فى خدمة أعداء الثورة يقدمون لمحاكمات عاجلة وثورية، فما على أعداء الثورة وهم أعداء الشعب إلا أن يصمتوا ويجلسوا فى منازلهم أو يقدموا لمحاكمات ولا خيار آخر. فالشعب قرر فى ثورة 25 يناير 2011 إسقاط نظام مبارك برموزه وسياساته وقواعد حكمه، فما مصير من يستدعى هذا النظام مرة أخرى، ويقوم بدعوة رسمية لرموز الوطنى المنحل بحكم نهائى من المحكمة الإدارية العليا كما جاء على لسان عمرو ربيع نائب رئيس المركز ومنسق الندوة؟! كما أن الشعب قرر فى 30 يونيو 2013 إسقاط نظام جماعة الإخوان، التى مارست العنف رسميا وموثقا، وصدرت بشأنها أحكام قضائية بأنها جماعة إرهابية، وكل ما انبثق عنها من جماعات عنف وإرهاب «بيت المقدس، أجناد الأرض»، وبالتالى: فما مصير من يستحضرها رسميا؟! وفى ندوة رسمية تتبع مؤسسة رسمية ملك الشعب الذى قام بثورتين 25 يناير- 30 يونيو؟! من إذن الذى يعاند الشعب ويتحداه؟! ما مصيره؟! الفصل والعزل هو الجزاء طبقا لقانون الثورات، ومن أسف أن المركز لم يقم بواجبه فى دراسة واقع ومستقبل الثورتين باستثناء كتاب من منازلهم، كما أن المركز يتلقى تمويلات خارجية لا حدود لها تحت سمع وبصر مجلس إدارة المؤسسة «الأهرام»، ويستفيد من ذلك الباحثون فى المركز، الذين ينفذون أجندات الممولين، وهى «خيانة عظمى» تحتاج إلى وقفة حاسمة. فالمعروف الآن، أن أمريكا وأوروبا ودولا عربية «قطر» ومعها تركيا تسعى لاختراق الواقع المصرى من خلال بعض المؤسسات الرسمية لغرض موضوع دمج الإخوان فى المشهد السياسى بأى طريقة، متجاهلة آمال الشعب وقضاءه الذى حكم بأنها جماعة إرهابية، وحكم الشعب عليها بالإعدام السياسى.