«أنت حيث تضع نفسك»، كانت هذه هى الحكمة المفضلة للروائى الكبير الراحل خيرى شلبى، رحمه الله، ولأننى لم أتعلّم أن أضع نفسى فى موضع ريبة قررت دائما الانضمام إلى المعسكر الذى أراه على حق. نعم قد أكون مخطئا أحيانا أو لا أصل إلى مبتغاى فى النهاية، ولكننى أحاول دائما أن ألتمس كل السبل التى ترشدنى إلى اختيار الأفضل، سواء سبلا روحية أو علمية. ينقسم السياسيون فى مصر حاليا إلى فصيلين رئيسين هما فصيل «الثورة مستمرة»، وفصيل «الاستقرار أولا»، وبالطبع بينهما فصائل صغرت أو كبرت ولكنها فى النهاية تصبّ فى أحد هذين الرافدين الكبيرين، دون إغفال لوجود من اعتزل المعسكرين وقرر أن يكون سلبيا بمحض إرادته، أو إيجابيا على طريقته الخاصة فرفع شعار «المهم مصر تنتصر» فى هذه المعركة، أو وجد نفسه محتارا أيا من فيديوهات الطرفين يصدّق فى حرب «الفوتوشوب»، ناهيك بوجود أو عدم وجود الطرف الثالث وأصابعه الخفية. صحيح أن الفصيل أو المعسكر أو الفريق الأول -بلغة الكرة- خرج منه لاعبون وانضم إليه آخرون، ربما من باب الاحتراف لينضموا إلى الفريق الآخر، ربما لأنهم وجدوا عرضا أفضل، أو لأنهم شعروا بأنهم أصبحوا مهمّشين فيه وهم من اعتادوا أن يكونوا نجوم شباك فوجدوا الناشئين يتصدّرون المشهد فآثروا الانسحاب إلى الفريق المنافس. (والمنافسة فى حب الوطن محمودة حتى لا يزايد علىّ أحد). للأسباب السابقة نفسها انضم لاعبون من الفريق الثانى إلى الأوّل، ربما بحثا عن نجومية حصل عليها الثوّار فى أيام النشوة الأولى بعد رحيل مبارك وتسليط الإعلام الحكومى الضوء عليهم. لأن مَن اعتاد النفاق والانصياع للأوامر العليا سيفعل أى شىء من أجل استمراره، فمَن كان يعمل ل«تلميع» مبارك وحاشيته، انقلب لتلميع الثورة والثوار، ليعود لتلميع حاكم المرحلة الانتقالية، وهكذا سيلمّعون أى قوى يحكم ويتحكم حتى لو حكمنا الهكسوس. فصار الإعلام واللاعبون المحترفون يتنقلون من معسكر إلى آخر، فهم ثوّار ما استدعى المشهد ذلك، وهم دعاة استقرار ما أمر الحاكم بذلك. المهم أنك بنظرة سريعة إلى أنصار المعسكرين قد تجد طريقة سهلة لتحدّد إلى أى فريق ستنضم أو حتى ستشجّع، وهى طريقة المفاضلة بين لاعبى الفريقين، فهناك من النجوم كثيرون هنا وهناك، وهناك أيضا الفقراء والأغنياء هنا وهناك، وهناك الشباب والعواجيز، وحتى السفهاء ستجدهم بين أنصار المعسكرين، فهذه هى مصر وهؤلاء هم المصريون شئنا أم أبينا. أما لماذا أنتصر لأفكار معسكرى وأرى لاعبيه هم الأفضل، فلن أطيل عليكم كثيرا فى ما ذكرته وذكره كثيرون فى مقالات ومقابلات هناك وهناك حول أسباب إيماننا بأن الثورة يجب أن تظل مستمرة، وأولويتها فوق كل الأولويات، ولكن لأذكّر فقط فإن هذا الوطن لن تقوم له قائمة ما لم يأتِ بحق الشهداء والمصابين أولا، ويقتصّ لنفسه ولهم من جلاّديه الذين ذبحوه وذبحوهم وذبحونا على مدى عشرات السنوات. كما أن الأسباب التى قامت من أجلها الثورة لم تزل قائمة وتؤكد أن النظام الذى خرجت الملايين من أجل إسقاطه ليس فقط لم يسقط، بل توحّش بفضل لاعبين جدد انضموا إليه أو استدعاهم من «دكة الاحتياطيين»، ليخرج لنا لسانه كل حين ليغيظنا ويسفك الجديد من دماء كل ثائر، وأن هذا الثائر لم ينتصر بعد فى معركته ضد الفساد ليهدأ –كما يوصى الشيخ الشعراوى رحمه الله فى الفيديو الذى يتخذه أنصار المعسكر الثانى مرجعا- بل ما زال ثائرا لأن معركته ضد الفساد لم تزل فى بدايتها، ولا تلوح حتى فى الأفق أى بادرة لانتصار قريب. المعسكر الذى انضممت إليه مبكرا ونصرته بالخروج إلى الشارع يوم 25 يناير ويوم جمعة الغضب، وأيام التحرير الأُوَل والمستمرة، مؤمن بأن الإرادة هى أقوى، وأن الثورات لا تُقاس بالعدد الذى يخرج فى فاعلياتها، ولو قسناها بالعدد كما فعل المحللون والخبراء وأساتذة التاريخ فسنتأكّد أن ثورتنا كانت الأكبر فى التاريخ الحديث، وأننا لو خَيّرنا أى شعب فى العالم -على الطريقة الديمقراطية الاستفتائية- بين الاستقرار حتى لو كان هشّا ووهميا، والفوضى التى قد تنتج عن الفعل الثورى حتى لو كانت وهمية ومُرتّبة بفعل فاعل أو طرف ثالث، فسيختار بالتأكيد الاستقرار. وكما قلنا من قبل فإنه لو أجرى مارتن لوثر كينج استفتاء بين الأمريكيين على حقوق السود، لاختارت الغالبية التمييز. ولكن لا استفتاء بين الحق والظلم. وبجانب ما ذكرت فأنا أفتخر بأنصار معسكرى، وحين أسمع آراءهم وأرى قدر ثباتهم على موقفهم أفتخر بثورتى وبهم، ولم لا وبينهم الروائى الكبير بهاء طاهر، والخال عبد الرحمن الأبنودى، والمبصر عمار الشريعى، والجميل على الحجّار؟ لم لا أفتخر وبينهم الدكاترة محمد أبو الغار، ومحمد غنيم، وحسام عيسى، وبينهم حمدى قنديل ويسرى فودة؟ لم لا أفتخر ومن بينهم الملتصقان نضاليا عبد المنعم أبو الفتوح، وحمدين صباحى؟ والمناضلون دائما جورج إسحاق وكمال خليل وكمال أبو عيطة، وأفتخر لأن منهم النواب الشباب عمرو حمزاوى، ومصطفى النجار، ومحمد أبو حامد، وزياد العليمى؟ لم لا أفتخر وبينهم أصدقائى وعائلتى ووالدى الراحل العظيم خيرى شلبى؟ وما هؤلاء إلا رموز أتت على ذهنى دون حصر بالتأكيد، وهؤلاء يتقدمون الملايين من الشباب والفتيات الذين جمعتهم وتجمعهم ميادين التحرير فى كل أرجاء مصر لا تخيفهم قنابل الغاز ورصاصات الغدر وبيانات التحريض وحملات التشويه. والأهم من كل هؤلاء وغيرهم أفتخر بأننا فى معسكر واحد مع أكثر من ألفى شهيد وآلاف المصابين الذين ضحّوا بحياتهم ونور أعينهم من أجل الثورة منذ الخامس والعشرين من يناير حتى الآن، فمن منكم لا يفتخر بهم؟ أما المعسكر الآخر فأنتم جميعا على علم بنجومه الذين زيّنوا ويزيّنون الفضائيات والصحافة القومية والحزبية ويقودون الحرب على الثورة منذ 25 يناير حتى الآن، وكلّما اتسع عليهم ميدان اختاروا آخر أضيق، فتركوا مصطفى محمود إلى روكسى إلى العباسية، وبعد انتفاضة أهلها ضدهم لا أعلم إلى أى ميدان أصغر سيتجهون. أفتخر بأننى فى معسكر أراه الحق حتى لو رآه البعض مستضعَفا بعد أن قرر الحاكم وهو المجلس العسكرى أن ينضمّ بكل قوّاته وعتاده إلى المعسكر الآخر، وقرر أن يحترف فى صفوف فريق العباسية بل ويقوده بعد أن أوهمنا أياما قليلة بأنه لبس «تيشيرت» الثورة ووقف معنا دقيقة حدادا على أرواح الشهداء، ثم سرعان ما ألقاه على الأرض وداسه بالأحذية وعرّى نفسه وجنوده وهم يعرّون على مرأى ومسمع من العالم كله حرائر مصر. فبالله عليكم إلى أى معسكر تنضمون؟