في مدينة منوف عام 1935 ولد غالى شكرى لأسرة مسيحية فقيرة، ورغم ذلك استطاع والده أن يدخله المدرسة الإنجليزية التابعة لإحدى الإرساليات، ولأن والده كان يعمل حارسا للكنيسة، وكان يجوز له أن يدخل ابنه إلى المدرسة مجانا، وبعدها أكمل تعليمه فى شبين الكوم، وهناك تعرّف على شباب له علاقة بالقراءة والفن مثل مكرم محمد أحمد الذى شجعه على القراءة، ثم جورج البهجورى الذى أصبح فنانا مرموقا فى ما بعد، وجاء إلى القاهرة ليختلط بمثقفيها وكتّابها ومقاهيها، ويبدأ الكتابة والترجمة على استحياء فى بضعة مطبوعات مثل مجلة «قصتى»، وينشر فيها بعض قصصه القصيرة وترجماته كذلك، لكنه يتعرف على المفكر الكبير سلامة موسى، ويقرأ كل ما أنتجه هذا المفكر الحر، وبعد رحيل سلامة موسى كان غالى شكرى قد قطع شوطا كبيرا فى الثقافة والتحصيل. وكان قد انخرط فى صفوف اليسار المصرى، ويقبض عليه ضمن عدد هائل من اليساريين عام 1960، ورغم أنه لم يقض وقتا طويلا فإن التجربة ظلت فاعلة ومؤثرة فيه حتى رحيله، ثم يخرج مبكرا ليكتب وينشر أول كتاب له، وأول كتاب عن سلامة موسى، ولقى الكتاب صدى طيبا فى الأوساط الثقافية المصرية، لكن كان هناك من يتربص بغالى شكرى حتى رحيله، وكذلك بعد رحيله، فرغم أن كتبه ومؤلفاته تعتبر من المتون والعلامات الرائدة فى مرحلتى الستينيات والسبعينيات فإن المؤسسة الثقافية المصرية لم تعتن بطباعة هذه الكتب بعد رحيله، رغم نفادها تماما، وكذلك لم تتبن مؤسسة ثقافية مصرية فكرة إقامة مؤتمر تذكيرى يحتفل بهذا الإنتاج الفكرى الرائد والعملاق، فكما كان غالى شكرى أول صاحب دراسة عن سلامة موسى، فهو كذلك أول صاحب دراسة جادة ومطولة عن الراحل نجيب محفوظ، أقصد كتابه «المنتمى» الذى صدر عام 1964، وتوالت طبعاته بعد ذلك حتى وصلت إلى خمس طبعات، وكان آخرها عام 1988، وكذلك ولاقت مؤلفات غالى شكرى رواجا كبيرا فى حياته، وأعيدت طباعة هذه المؤلفات فى مصر وبغداد وبيروت، حيث كان غالى يكتب بغزارة فى معظم مجلات الوطن العربى المرموقة، لكنه فى الستينيات عمل فى مجلة «الطليعة المصرية»، وكان يشرف على ملحقها الثقافى، وقد أعد ملفات ثقافية عن آباء الحداثة المصرية بداية من رفاعة رافع الطهطاوى، مرورا بشلبى شميل، والشاعر أحمد شوقى وغيرهم، وشارك فى إعداد ملف مهم عام 1969 عنوانه: «هكذا تكلم الأدباء الشباب»، وأحدث هذا الملف صدى كبيرا، إذ كان يعتبر أول استطلاع من نوعه لجيل متمرد وغاضب هو جيل الستينيات، وتضمن الملف الكتّاب والأدباء الفاعلين آنذاك مثل مجيد طوبيا ومحمد يوسف القعيد وسمير عبد الباقى وأمل دنقل، وسمير فريد ورضوى عاشور وعبد الحكيم قاسم وصبرى حافظ ومحمد إبراهيم أبو سنة وغيرهم. وتميزت كتابات غالى شكرى منذ ذلك الوقت بالبحث النقدى الذى يستند إلى قراءة التحولات السياسية والاجتماعية، لذلك كان معظم كتبه ودراساته ينحو بقوة نحو هذا المنحى، فلو تأملنا عناوين كتبه سنلاحظ أنها تشير إلى هذه السمة مثل «ثورة المعتزل.. دراسة فى أدب توفيق الحكيم» الصادر عام 1966، وقبلها كان كتاب «أزمة الجنس فى القصة العربية» عام 1962، وتوالت كتبه بعد ذلك: «ماذا أضافوا إلى ضمير العصر»، وفى هذا الكتاب رصد وتحليل تحولات الثقافة المصرية بعد ثورة 23 يوليو، ثم «ذكريات الجيل الضائع» الذى صدر فى بغداد، وضمن ما تناولهم فى هذا الكتاب، الناقد المأساة أنور المعداوى، وهو كان أحد أساطين النقد والكتابة فى ذلك الوقت، لكن تآمرت عليه ظروف عمدية وغير عمدية حتى يرحل وحيدا فى قريته النائية، وغالى شكرى كان أحد الذين ينقبون فى أرشيف الثقافة المصرية ليكشف ويكتشف المخبوء والمهمل والمستبعد والمطرود، فعند توليه رئاسة تحرير مجلة «القاهرة» بعد عودته من باريس، ينشر كثيرا من هذه النوادر، وعلى رأسها مسرحية «محاكمة إيزيس» للراحل لويس عوض، وقد أثارت هذه المسرحية جدلا عنيفا فى الأوساط المصرية، ونال شكرى وعوض تقريعا كبيرا من بضعة متشددين مصريين، ولم يكن الهجوم والتقريع اللذان تعرض لهما غالى شكرى بجديد، فهذا مصير من يعملون بجدية دوما، ويلقى عملهم صدى وتأثيرا كبيرين، رغم هذا العواء الذى يلاحقهم طوال الوقت، ولكن هذا العواء يصلح لبعض الوقت على تعطيل مسيرة أعلام مثل غالى شكرى، الذى أناشد المؤسسة الثقافية المصرية بالعمل على طباعة ونشر أعماله الفكرية الكبيرة، ونحن فى أشد الحاجة إليها فى مثل هذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا، خصوصا رسالته المهمة التى حصل عليها من السوربون «النهضة والسقوط فى الفكر المصرى»، وكذلك: «الثورة المضادة فى مصر»، هذا عدا عشرات الكتب النقدية الرائدة مثل كتاب: «شعرنا الحديث إلى أين»، الذى صدرت منه أول طبعة عام 1968، ويشهد جميع من عاشوا فى ذلك الزمان، أنه كان من أهم الكتب العربية التى تناولت ظاهرة الشعر الحديث، ويعتبر هذا الكتاب من المراجع الرئيسية لأى دارس للشعر، لذلك كله وما لم تستطع هذه السطور استيعابه، يحتاج غالى شكرى الذى رحل فى 10 مايو 1998 إلى إعادة اكتشاف، ونحن فى حالة مراجعة لتاريخنا الثقافى والفكرى عموما.