أمس كان يوم الأسير الفلسطينى.. وربما تذكَّر عدد قليل منا للأسف أننا نعيش ونمشى فى أسواق أمتنا ودروبها المتربة، بينما عشرات الآلاف من أبناء الوطن السليب المسروق يرسفون فى الأغلال، ويغيبون غيابًا طويلًا جدًّا «بعضهم أمضى أكثر من ثلاثين عاما» فى عتمة زنازين العدو الأشد لصوصية والأكثر همجية وتوحشا فى تاريخنا وربما تاريخ الإنسانية جمعاء. وقبل أيام «13 مارس» مرت بهدوء موجع الذكرى ال73 على ميلاد قيثارة فلسطين والعرب الخالدة، محمود درويش، الذى غيبه الموت منذ 6 سنوات، تاركًا خلفه كنزًا ثمينًا من روائع لا تغيب ولا تموت.. فتعالَ نحتفل ونتذكر معا الأرض المسروقة والمقدسات المغتصبة وأسرانا الأبطال الصامدين.. تعالَ نغنى واحدة من أجمل وأرق وأبدع أشعار درويش، «أحد عشر كوكبًا».. فى المساء الأخير على هذه الأرض نقطع أيامنا عن شُجيراتنا، ونَعُد الضلوع التى سوف نحملها معنا والضلوع التى سوف نتركُها، ههُنا.. فى المساء الأخير لا نودع شيئًا، ولا نجد الوقت كى ننتهى.. كل شىء يظل على حاله، فالمكان يبدل أحلامنا ويُبَدل زواره. فجأة لم نعد قادرين على السخرية فالمكان مُعَد لكى يَستضيف الهباء. هنا فى المساء الأخير نَتَمَلى الجبال المحيطة بالغيم: فَتح... وفَتح مُضاد وزمان قديم يُسلم هذا الزمان الجديد مفاتيح أبوابنا فادخلوا، أيها الفاتحون، منازلنا واشربوا خمرنا من موشحنا السهل. فالليل نحن إذا انتصف الليلُ، لا فَجر يحمله فارس قادم من نواحى الأذان الأخير.. شَايُنا أخضر ساخن فاشربوه، وفُستُقُنا طازج فَكُلُوه والأَسِرَّة خضراء من خشب الأَرْز، فاستسلموا للنعاس بعد هذا الحصار الطويل، وناموا على ريش أحلامنا الملاءَات جاهزة، والعطور على الباب جاهزة، والمرايا كثيرة فادخلوها لنخرج منها تمامًا وعما قليل سنبحث عما كان تاريخنا حَولَ تاريخكم فى البلاد البعيدة وسنسأل أنفسنا فى النهاية: هل كانت الأندلس هَهُنَا أم هناك؟ على الأرض أم فى القصيدة؟ *** كيف أكتب فوق السحاب وصية أهلى؟ وأهلى يتركون الزمان كما يتركون معاطفهم فى البيوت، وأهلى كلما شيدوا قلعة هدموها لكى يرفعوا فوقها خيمة للحنين إلى أول النخل. أهلى يخونون أهلى فى حروب الدفاع عن الملح. لكن غرناطة من ذهب من حرير الكلام المطرز باللوز، من فضة الدمع فى وتر العود. غرناطة للصعود الكبير إلى ذاتها.. ولها أن تكون كما تبتغى أن تكون: الحنين إلى أى شىء مضى أو سيمضى: يحك جناح سنونوة نهدَ امرأة فى السرير، فتصرخ: غرناطة جسدى وَيُضَيِّعُ شخص غزالته فى البرارى، فيصرخ: غرناطة بلدى وأنا من هناك، فغنّى لتبنى الحسَاسين من أضلعى درَجا للسماء القريبة. غنّى فروسية الصاعدين إلى حتفهم، قمرًا قمرًا، فى زقاق العشيقة. غنّى طيور الحديقة حجرًا حجرًا. كم أحبك أنتِ التى قَطَّعتِنى وترًا وترًا فى الطريق إلى ليلها الحار، غنّى لا صباح لرائحة البُن بعدك، غنّى رحيلى عن هديل اليمام على رُكبتيك وعن عُش روحى فى حروف اسمِكِ السهلِ، غرناطة للغناء.. فَغَنِّى!