لست خبيرا قانونيا، ولكننى أناشد السيد رئيس الجمهورية المستشار الفاضل، رئيس المحكمة الدستورية، عدلى منصور، والحكومة والنائب العام وأى جهة معنية أخرى، بالنظر فى كل الإجراءات الممكنة من أجل الإفراج عن أحمد دومة وأحمد ماهر ومحمد عادل ومئات الشباب الآخرين الذين صدرت ضدهم أحكام بالحبس بموجب قانون التظاهر الظالم، والذين لم يتورطوا فى استخدام العنف أو السلاح أو الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة. وأناشدهم جميعا أن يقروا بما يحتويه قانون التظاهر من عوار واضح يؤدى إلى سجن المئات من الشباب المصرى لسنوات، بدلا من السعى إلى الاستفادة منهم كطاقة إيجابية لبناء الوطن وتقدمه. لم أتشرف بلقاء الرئيس منصور سوى مرة واحدة، وتصادف أن يكون ذلك فى اجتماع له مع ممثلى الأحزاب السياسية والإعلاميين والفنانين، فى نفس اليوم الذى صدرت فيه الأحكام لأول مرة بحق دومة وماهر وعادل بالسجن ثلاث سنوات وغرامة 50 ألف جنيه فى نهاية ديسمبر الماضى. وعرفت بالحكم بعد دقائق فقط من مطالبتى لسيادته بإعادة النظر فى قانون التظاهر والتحذير من الشعور المتنامى لدى جيل شباب ثورة 25 يناير، من أن النظام الأمنى القديم الذى عانوا منه فى عهد الرئيس المخلوع مبارك يحكم قبضته من جديد. الرئيس منصور جدير بكل احترام، وأثبت طوال اللقاء أنه رئيس ديمقراطى لم نعهده من قبل، ومتفهم تماما لدوره كرئيس مؤقت، ولم تصدر منه ولو بادرة واحدة أنه يرغب فى البقاء على كرسى الرئاسة. بل إن الرئيس منصور يفصح علنا ومرارا أنه يتطلع لليوم الذى يغادر فيه منصبه ويعود لعمله الأصلى الذى يفتقده كرئيس للمحكمة الدستورية العليا. هو رئيس يتحدث بروح وضمير القاضى، ولديه استعداد للاستماع لمختلف وجهات النظر كما اعتاد السماع للمحامين فى جلسات محكمته. وبالتالى، لا يراودنى شك أنه يدرك جيدا حجم الصدمة والإحباط اللذين ترتبا على الأحكام المشددة بالسجن لمدة ثلاث سنوات بحق دومة وماهر وعادل، وهو ما لم يكن يتوقعه مطلقا ذلك الجيل الشاب الذى أطلق ثورة 25 يناير، معتقدا أنها ستضع حدا لمعاملته بشكل مهين وانتهاك كرامته فى أقسام الشرطة، ثم إلقائه فى السجون لسنوات، فقط لأنه يمارس حقه فى التعبير السلمى عن الرأى. كما أن المئات من الشباب القابع فى السجون وأقسام الشرطة منذ شهور هم ممن شاركوا وبقوة على مدى عام كامل فى مواجهة النظام الإخوانى السابق، بعد أن تيقنوا أنه لا يقل سلطوية ورغبة فى قمع الحريات عن نظام الرئيس المخلوع، ولكن بنكهة دينية. وفى كل المؤتمرات والوقفات السلمية التى شاركت بها للمطالبة بالإفراج عن الشباب المحبوس، تأتى أمهات بصور لأبنائهن وهم يقومون بالتوقيع على استمارة «تمرد» الشهيرة، أو وهم يرفعون الكارت الأحمر للرئيس المعزول محمد مرسى، كما فعل ملايين المصريين يوم 30 يونيو، وكما فعل الشهيد الشاب سيد وزة من حركة 6 أبريل، الذى لقى حتفه برصاصة فى وسط المدينة، عندما كان يحاول وزملاؤه السير فى مظاهرة سلمية فى 25 يناير الماضى لإحياء الذكرى الثالثة للثورة، التى منحته الأمل فى أن له حقوقا سينالها. ولكنه مات ولم نعرف من قتله حتى الآن، ولن نعرف. وأملا فى الإفراج عن أبنائهن بأى ثمن، تؤكد بعض الأمهات أنهن يعشقن المشير عبد الفتاح السيسى، وشاركن فى منحه التفويض الشهير لمحاربة الإرهاب المتواصل فى 26 يوليو الماضى، ويقدمون الصور أيضا التى تثبت ذلك. وقوائم الشباب المحبوس تضم عديدا ممن تم اعتقالهم فى عهد الإخوان، أو سالت دماؤهم وهم يتظاهرون أمام مكتب الإرشاد فى المقطم على يد ميليشيات فتوات الإخوان، كما كان الحال مع أحمد دومة. فكيف يكون مصيرهم الحبس لسنوات، والتعرض لكل أشكال الإهانة والتنكيل، بعد أن كانوا يرددون أنهم شاركوا فى 30 يونيو لرغبتهم فى استعادة أهداف ثورة 25 يناير وتحقيق شعاراتها من عيش وحرية وعدالة اجتماعية؟ ما الذى سيقوله المستشار منصور لوالدة الشاب محمد عبد الواحد، الطالب بكلية الفنون التطبيقية والمصور فى إحدى الصحف الإلكترونية والمحبوس مع زملاء له فى تخشيبة قسم الجيزة، مع معتادى الإجرام منذ 12 يناير، وسيتم النظر فى تجديد حبسه اليوم السبت، وهى تحذر بوضوح أن كل شاب يختبر ما مر به ابنها من إهانة ومعاناة على مدى تسعين يوما، لا يمكن أن يتحول إلا إلى قنبلة موقوته تكره كل ما له صلة بالوطن. كان الأمل كبيرا فى أن تراجع الحكومة وأجهزة الأمن سياسة التوسع فى القبض على الشباب المشارك فى التظاهرات السلمية وتوجيه الاتهامات لهم، وإلقائهم فى السجون لشهور طويلة، وأن يتم تنفيذ توجيهات الرئيس منصور للنائب العام بمراجعة ملفات كل الشباب المحبوسين حاليا بسبب الاشتراك فى مظاهرات واحتجاجات، خصوصا من الطلبة. وبدا لوهلة أن هذه التوجيهات فى سبيلها للتنفيذ وتم الإفراج عن أعداد من الطلبة، كما أخلت المحكمة فى أول جلسة لها سبيل علاء عبد الفتاح وأحمد عبد الرحمن، بعد أن انتظرا أربعة أشهر كاملة فى السجن لتحديد موعد للمحاكمة، ورفضت إحدى دوائر محكمة الاستئناف تأييد الحكم بسجن 11 شابا تم إلقاء القبض عليهم فى المعادى فى 25 يناير لمدة عامين، وغرامة 100 ألف جنيه، بناء على اتهامات تتطابق مع التهم التى تم بمقتضاها حبس دومة وماهر وعادل ثلاث سنوات. وإذا كان الرئيس منصور على وشك تحقيق أمله فى مغادرة منصبه المؤقت خلال شهرين، فليكن ملف المئات من الشباب المحبوس بمقتضى قانون التظاهر الذى أصدره على رأس الملفات التى يسعى لإغلاقها، وذلك لكى يعيد إليهم بعض الأمل بدلا من تحويلهم إلى قنابل موقوتة، كما حذرت والدة الطالب محمد عبد الواحد.