لست قلقًا من انتخابات الرئاسة، ولكنى شديد القلق مما بعدها!! فعندما انحزنا لخيار أسبقية انتخابات الرئاسة على الانتخابات البرلمانية، لم يكن السبب فقط هو الإسراع بإيجاد سلطة عليا منتخبة تمسك بزمام الأمور وتتعامل بحسم مع التحديات الهائلة التى نواجهها.. بدءًا من إرهاب الإخوان وحلفائهم، ونهاية بالأوضاع الاقتصادية الصعبة. لم يكن ذلك فقط هو سبب انحيازنا لخيار أولوية الانتخابات الرئاسية، وإنما كان هناك سبب آخر قد يكون الأهم فى مستقبل هذا الوطن، وهو أن الانتخابات البرلمانية يمكن أن تدخلنا فى صراعات تمزق وحدة صف التحالف الذى أنجز المهمة شبه المستحيلة فى 30 يونيو، واستعاد الثورة، وأسقط الفاشية وأنقذ الوطن من مصير مظلم كان ينتظره. كنا نخشى أن البدء بالانتخابات البرلمانية سوف يقسم الصفوف، وبالتالى سوف يترك آثاره على المعركة الرئاسية بعد ذلك، ولهذا فضلنا تعديل المسار أملًا فى أن نحسم معركة الرئاسة بسرعة وبصورة تجعلنا أقدر بعد ذلك على مواجهة تحديات المعركة البرلمانية وحسمها أيضًا لصالح قوى الثورة. الآن.. وبعد أن تلكأنا طويلًا فى الطريق إلى انتخابات الرئاسة، ندخل المعركة الانتخابية وسط ظروف تفرض المزيد من الوعى والمسؤولية لدى كل الأطراف. التنافس الرئيسى- حتى الآن- هو بين المشير السيسى وحمدين صباحى، وإذا استمر الأمر كذلك فسوف يكون على الجميع أن يخوض الانتخابات وهو يدرك أنها يجب أن تبقى منافسة داخل البيت الواحد، وبين شركاء الثورة الذين يعرفون أن استمرار الشراكة بينهم هو الطريق الوحيد لتحقيق أهداف الثورة، وللانتصار على أعدائها، ولحسم المعركة ضد الإرهاب، وبدء العمل لبناء مصر التى يحلم بها كل المصريين. لا ينبغى أن يكون هناك مكان هنا أو هناك للوجوه القبيحة التى سممت حياتنا السياسية لسنوات عديدة، والتى تريد أن تعود لذلك فى هوجة الانتخابات، ولا ينبغى أن نجد رموز الفساد ولا أعوانه، والتى تحاول جاهدة أن تحافظ على وجودها فى كل مؤسسات الدولة. ولا بد من التأكيد أنه لا مجال للعودة إلى الوراء، ولا طريق إلا الطريق الذى فرضته الثورة فى موجتها الأولى فى 25 يناير، ثم فى موجتها الثانية فى 30 يونيو.. طريق الحرية والعدالة وكرامة الإنسان والاستقلال الوطنى. ندخل انتخابات الرئاسة وسط محاولات مجنونة ويائسة من إخوان الإرهاب وحلفائهم لتعطيل مسيرتنا، ومع ضغوط خارجية لا تريد لمصر أن تعبر أزمتها، لكن الأخطر هو المحاولات التى لن تنقطع لشق الصفوف، ولتحويل التنافس فى الانتخابات إلى صراع مدمر لا تتحمله الثورة ولا يتمناه أى مخلص لهذا الوطن. وتبقى نقطة هامة ينبغى أن يضعها الجميع فى بؤرة اهتمامهم، وهى أن الرئيس وفقًا للدستور الجديد لم يعد الحاكم بأمره، فسيكون طرفًا أساسيًّا فى الحكم، ولكن مع برلمان له سلطاته التشريعية والرقابية، ومع حكومة لا بد أن تتمتع بتأييد البرلمان. ومن هنا فإن على قوى الثورة، وهى تخوض معركة الرئاسة، أن تضع فى اعتبارها أن يخرج شركاء الثورة منها، وهم أشد حرصًا على وحدتهم لكى يحسموا- بعد ذلك- معركة البرلمان. وأن يدركوا أن القوى الأخرى، سواء من الفلول، أو الفاسدين، وناهبى المال العام، أو المتاجرين بالدين.. كلهم يستعدون للانتخابات البرلمانية، والمال الانتخابى متوفر من الداخل والخارج. والقانون الجديد يساعدهم «أو يحرضهم» على ذلك حين جعل الغرامة فقط هى عقوبة التمويل غير المشروع أو الرشاوى الانتخابية!! أعداء الثورة يستعدون جيدًا للانتخابات البرلمانية، واذهبوا إلى الأرياف والأقاليم لتدركوا ذلك. وهم يراهنون على أن انتخابات الرئاسة سوف تستنزف الكثير من قوة شركاء الثورة، وربما تمزق صفوفهم.. فانتبهوا أيها السادة.