ليس هنالك متسع من الوقت يسمح بأن نتساهل فى تبديده حتى الانتخابات البرلمانية، ولكن، وللأسف، فإنه يبدو أن الكثيرين لا يرون ذلك! كما أنه ليس هنالك تعارض بين أن تُولَىَ هذه الانتخابات ما تستحقه من تركيز ومن إعداد لعدتها فى ذات الوقت الذى تنال فيه الانتخابات الرئاسية الاهتمام الذى يليق بها، ذلك لأن البرلمان القادم هو أخطر برلمان فى تاريخ مصر بعد الصلاحيات التى منحها له الدستور الجديد، بل صار أخطر من منصب رئيس الجمهورية الذى بات مضطراً للعمل بكل طاقته لينال موافقة ورضا البرلمان على سياساته! وكل هذا من المستجدات على الحياة السياسية المصرية بفضل ثورة يناير وانتفاضة يونيو وما ترتب عليهما. إن إهمال الانتخابات البرلمانية لحساب أن يكون الرئيس معبرًا عن الثورة، قد يترتب عليه أسوأ الاحتمالات الضارة بالثورة إذا ما جاء البرلمان معبرًا عن اتجاهات معادية لنجاحات 30 يونيو، وخاصة إذا جاء كما يرغب الإخوان، وسوف يكون من الأخطاء المركبة الاستهانة بالمهارات التى يجيدونها فى لعبة الانتخابات، أو الاستكانة لخطأ من يتصور أنهم لن يخوضوا هذه المعركة بكل شراسة، أو افتراض أنه يمكن احتجاب كل ممثليهم من الترشح، أو إمكانية إسقاطهم جميعًا، أو استحالة أن يكون لهم مرشحون من خلاياهم النائمة المختبئة التى لا يعرف عنها الناخبون ولا وسائل الإعلام شيئًا! أسوأ النتائج أن يكون للإخوان وحلفائهم الأغلبية البرلمانية، بهذا يمكنهم، ومنذ البداية، أن يفرضوا حكومتهم بعد أن يعترضوا على الحكومة التى يقترحها الرئيس، كما يمكنهم قبل ذلك تغيير كل التشريعات التى صدرت فى غيبة البرلمان مما يضرّ مصالحهم خاصة ما يتعلق باعتبارهم جماعة إرهابية، بل يمكن أن يعترضوا على كل انجازات 30 يونيو، بل وإدانة من شاركوا فيها! وحتى إذا كانت نسبتهم فى البرلمان أقل من ذلك، فإنه يمكنهم باستمرار عقد تحالفات مع آخرين لتعويق عمل الرئيس والحكومة، بل والسعى إلى إضفاء الشرعية على ما يقترفه إخوانُهم فى الشارع والجامعة، واستدعاء وزير الداخلية وغيره تحت قبة البرلمان لسؤاله واستجوابه عن التصدى لهذه الجرائم، أو عن المناوأة لنشاطاتهم المريبة الأخرى فى البيزنس وغيره! من المؤكد أن الإخوان يخططون جدياً من الآن للمعركة البرلمانية، بل ويستعدون لكيف سيكون نشاطهم داخل البرلمان! ويخطئ من لا يحسب أنهم يفكرون فى السيطرة على البرلمان من الآن، بل منذ عدة أشهر مضت! فهذه هى معركتهم الحقيقية، إذا خسروها فقد ضاع منهم كل شيئ لعقود يصعب التنبؤ بمداها، وإذا كسبوها فيمكن أن يكون البرلمان قاعدتهم للسعى لاستعادة ما ضاع منهم! وتكون هذه من مفارقات التاريخ التى تجسد عجز وتهاون النخب السياسية عن إيجاد السبل التى تحقق الإرادة الشعبية وأن تحميها على الأرض! فماذا أعدَّ للانتخابات البرلمانية دعاةُ الثورة والمدافعون عنها ومَن لحقوا بركبها ومَن تحمسوا لها؟ يبدو أن الأوضاع على هذه الجبهة غير مطمئنة، وهو ما ينبغى الاعتراف به حتى يمكن إصلاح الخلل، وأول الأخطاء الكبيرة التى انغرز فيها ممثلو الثورة كان خلطهم بين آليات الاحتجاج، حتى هذه التى قد تُكَلَّل بالنجاح، وبين سبل الوصول للناخبين وإقناعهم بالمرشحين وبالبرنامج، خاصة الأغلبية الساحقة من الفقراء والأميين البعيدين عن مسارات النخب الثورية، وبالمناسبة فهؤلاء مَن يتحرك الإخوان بكفاءة فى صفوفهم خاصة عن طريق شعبة الإخوات اللائى ينشطن فى أوساطهم! وهناك أيضًا خطأ التعامل مع الأفكار السياسية، التى قد يكون بعضها عظيمًا، دون تبسيطها وربطها بالظروف المعيشية الخاصة بعموم الناس الذين خرجوا فى الثورة أو الذين أيدوها، مع الوضع فى الاعتبار أن حماس هؤلاء للثورة كان ببساطة لأنهم يريدون حياة أفضل! خُذ عندك قانون التظاهر، الذى لا خلاف على ما به من عيوب، ولكن بدلاً من أن يكون هناك من يشرح المآخذ للناس ويحدد الأضرار التى ستعود عليهم من جراء العمل بهذا القانون، وبدلاً من تأخيره قليلاً فى جدول الأولويات، والتعامل مع القضايا الكثيرة العاجلة، مع تبيان الموقف المبدئى الرافض للقانون والداعى إلى العمل على إسقاطه فى البرلمان الجديد بعد عدة أشهر فقط عندما ينضج الموقف الجماهيرى الرافض وعندما تُتاح الآلية التى لا خلاف عليها، إذا بالبعض يصرّ على أن تكون هذه هى معركة الساعة، فحدث ما حدث، وكانت النتيجة ابتعاد الناس عن ضحايا الاحتجاج على قانون الانتخابات، ببساطة لأن المحتجين استبعدوهم منذ البدء من الإشراك فى هذه القضية! ثم علينا أن نتذكر أصحاب الحسابات الصغيرة التى لا تحقق إلا منافعهم الشخصية والمصالح الضيقة لحلقاتهم المحدودة، وصار لهم كلمة فى قانون الانتخابات وفى قواعد العملية الانتخابية، ويقتصر نظرهم إلى عدد المقاعد التى قد يحصلون هم عليها، وتحوم حولهم شكوك حقيقية إذا ما كانوا بالفعل معنيين بأن يكون للثورة برلمان يحقق شعاراتها!