قطر حالة استثنائية فى الخليج العربى، دويلة صغيرة غنية بالغاز الطبيعى، قررت التمرد على الموقع، المكانة والدور وأيضا الحجم، قررت استغلال واقع التناقض فى الثقافة العربية فوزعت الأدوار ما بين استضافة قاعدتين عسكريتين أمريكيتين (السيلية والعيديد) وتبنِّى خط قومى إسلامى ممثلًا فى قناة «الجزيرة» التى فتحت أبوابها أمام التيار القومى والإسلامى مقابل مكافآت مالية سخية. التمرد على الموقع والمكانة تمثَّل فى تحويل قطر إلى دولة المتناقضات، حيث سعىٌ حميمٌ لاقتناء كل ما هو غالٍ ونفيس فى العالم من لوحات إلى أحجار كريمة، مرورًا بتجنيس أبطال من شرق ووسط أوروبا ليحصلوا للدوحة على ميداليات أوليمبية. التمرد على المكانة والدور تمثل فى مناطحة كبار المنطقة وتحديدًا المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك عبر نسج علاقات قوية مع دول الجوار غير العربية، وهى تركيا وإسرائيل وإيران. ومع بدء ما سمى بالربيع العربى، لعبت قطر دورًا محوريًّا فى دعم هذه الظاهرة عبر قنوات «الجزيرة» ودورًا تمويليًّا كبيرًا عبر تمويل الأفراد والجماعات والحركات التى استُخدمت فى هدم نُظم الحكم، وتحديدًا فى تونس ومصر وسوريا وليبيا، وبمرور الوقت تكشفت أبعاد المخطط الخاص بنشر الفوضى فى المنطقة وهدم نظم الحكم القائمة تمهيدًا لتفتيت الكيانات الكبيرة، وبرز على نحو جلى الدور القطرى فى التنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين، وكانت المشاهد فى مصر مثيرة للاستفزاز بعد وصول الجماعة إلى السلطة، فقد فتحت الأبواب أمام قطر على مصراعيها، وبدأت قطر تطرح مشروعات كتأجير الآثار المصرية والسيطرة على محور قناة السويس لاعتبارات استراتيجية، وأيضا لضرب مناطق التنمية فى الإمارات وتدمير تجربة «جبل على». وعندما أطاح الشعب المصرى بحكم المرشد والجماعة فى ثورة 30 يونيو، تحولت الدوحة إلى معقل لقيادات وكوادر الجماعة، واتخذوا من قناة «الجزيرة» منصة للهجوم على مصر وتشويه ثورتها، بعدها بدأ الإعلام المصرى يرد وبقوة على الدور القطرى، وهنا تدخلت عائلات حاكمة فى الخليج وتحديدًا السعودية والإمارات طالبة من مصر التهدئة وعدم الرد على قطر لمساعدة الأمير الجديد على ترتيب أوضاعه، قالوا إن سياسة العداء لمصر والتمرد على الدور والمكانة والارتماء فى أحضان الأمريكان والإسرائيليين إنما هى سياسة الأب لا الابن، وأن الأخير ورث أوضاعًا صعبة للغاية وطلبوا منح الأمير الجديد الصغير فرصة لترتيب الأوضاع واستكمال التغيير فى أركان الحكم وتمكينه من إبعاد من تبقى من شلة الأمير الأب ورئيس الوزراء السابق. بذل قادة السعودية والإمارات جهدًا هائلًا مع الأمير الجديد ومنحوه الفرصة تلو الفرصة لترتيب الأوضاع، صدقوه جريًا على أعراف وتقاليد البدو، ثم اكتشفوا فى النهاية أن الأمير الجديد لا يختلف عن القديم فى شىء وأن التغيير كان شكليا، فقد استمرت نفس السياسات وذات الارتباطات الإقليمية والدولية، وتواصلت نفس السياسات العدائية، بل إن العداء امتد ليشمل السعودية والإمارات، حيث اكتشفت الرياض أن الدوحة ضالعة فى مؤامرة محاولة اغتيال العاهل السعودى وأنها تنسق مع أجهزة استخبارات عالمية من أجل قلب نظام الحكم فى السعودية. واكتشفت أبو ظبى الدور الذى تقوم به الدوحة فى دعم مخططات الإخوان لقلب نظام الحكم فى الإمارات العربية المتحدة، وهكذا فى الوقت الذى كانت فيه الرياض وأبو ظبى تبذلان جهودًا مخلصة لإنقاذ الدوحة من شرور سياساتها، كانت الأخيرة تخطط لقلب نظم الحكم فى دول الخليج العربية. من هنا كان الغضب شديدًا والسخط كبيرًا، فكان قرار سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من قطر، والتهديد بتصعيد الموقف وفرض عقوبات إضافية يمكن أن تصل إلى تجميد عضوية قطر فى مجلس التعاون لدول الخليج، وربما طردها فى مرحلة لاحقة، فقد تأكدت الدول الكبيرة فى مجلس التعاون الخليجى أن التغيير فى قطر شكلى، وأن التغيير الحقيقى بات مستحيلًا، فقطر اختارت التمرد على البيئة، المكانة والدور، وتحولت بقرار إرادى إلى دولة منبوذة فى المنطقة.