كان عمي الشاعر مأمون الشناوي يكتب في نهاية الأربعينيات أشهر وأرق الاغاني لعبد الوهاب وفريد و فوزي واسمهان وليلى مراد وغيرهم بينما عمه الشيخ مأمون الشناوي " الامام الأكبر وشيخ الجامع الأزهر " يتلقي بين الحين والأخر التهنئة من شيوخ أجلاء على أغانية العاطفية فكان يحرص على التصحيح مؤكدا أنها من تأليف ابن شقيقه ولكنه أبدا لم يجرم او يحرم هذه الاغنيات. الشيخ مأمون الشناوي كان له دورا بطوليا في مواجهة الكيان الصهيوني فلقد دعا للجهاد من فوق المنبر مع بداية نكبة 48 ،وهكذا دائما الأزهر في كل عهوده هذا هو حال شيوخه الاجلاء ، لو عدت لنهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ستكتشف أن لقب شيخ كان يسبق دائما كبار الموسيقيين أمثال سلامة حجازي وسيد درويش وأبوا لعلا محمد و زكريا أحمد وصولا الى سيد مكاوي والمقصود بشيخ أنه حافظا للقرآن ، وبرغم مثلا أن عبد الوهاب والقصبجي لم يحملا لقب شيخ إلا أن كل منهما ارتدي الزي الديني وحفظا القرآن ، حتى الموسيقار الكبير داود حسني اليهودي الديانة لم يحمل لقب شيخ وبالتأكيد ولا حاخام ولكنه كان حافظا للقرآن و له قول مشهور يؤكد ان الموسيقي الشرقية ستظل للأبد تنبض بالحياة طالما أن القرآن الكريم قابعا في قلوب المؤمنين. ما وذكرني بكل تلك الظلال هو ما يحاول مع الاسف البعض أن يرمي إليه ليضع المثقفين والأزهر الشريف في صراع حتمي ، وهو ما استطاع في الحقيقة البيان الذي أعلنته لجنتي السينما والمسرح قبل يومين أن ينزع فتيل الاشتعال لأن التقدير والتبجيل لرجالة هو واحد من المسلمات التي لا تقبل الجدل أو النقاش ناهيك عن التشكيك ،إلا أننا من أجل كل ذلك نهيب بأزهرنا الشريف ألا يصبح رقيبا على الأعمال الفنية التى بطبعها جدلية نسبية تحتمل الصواب والخطأ أو بتعبير أدق الجمال والقبح ولكنها أبدا لا تقع تحت مجهر ديني مطلق يرى فقط الحلال والحرام. ولا يعني ذلك ان على رجل الدين أن يقتنع أو يشرع ويحلل _ من الحلال_ الفنون، ولهذا مثلا لا أذيع سرا أن وزير الثقافة صابر عرب كانت لديه قناعة في توقيت ما أن يطلب لقاء الامام الاكبر الشيخ أحمد الطيب ،كما أن عددا من السينمائيين كانوا يشاركوه الرأى ، بينما رأي الشخصي وعدد من الزملاء الذين يشكلون الأغلبية أن هذا اللقاء لن يسفر عن شئ سوى التأكيد عمليا على أن كل من الفن والدين بينهما البون شاسع. أتمنى بالفعل ألا تنجح خطة توريط المؤسسة الدينية في مثل هذه الامور الخلافية بطبعها . القضية الأساسية لا يمكن اختصارها في عرض أو عدم عرض فيلم" نوح"، لا ليست فيلم بعينه ولكن نريد أن نصل الى العمق ،أزهرنا الشريف الذي نجله جميعا مسلمون وأقباط نطلب منه ان يعيد النظر في قوائم الممنوعات وألا يصل الامر الى المطالبة بالمنع والمصادرة ،خاصة وان قانون الرقابة كما أشار بذلك في دراسة قدمها لنا الرقيب " أحمد عواض" لا يمنح للزهر الشريف حق الولاية سوى فقط في تسجيلات القرآن الكريم التي ينبغي أن تحظى بموافقة الازهر وحتى لو لم تكن منصوصا عليها فإن أي رقيب لا يمكن سوي أن يعود الى الأزهر كما أن أي عمل فني يتناول شخصيات تاريخية اسلامية سوف يسترشد فيها برأي الأزهر، ننتظر في الحقيقة ما هو أبعد من كل ذلك وهو ما أشار إليه البيان في أن نصوص التحريم التى يقرها الازهر الشريف تعود الى عام 1926 وكانت السينما وقتها ينظر اليها من عامة الناس باعتبارها شئ شيطاني وبديهي ان تعتبر كل ما يصدر عنها يحمل ايضا الريبة والشك ، بينما الزمن يتغير من حولنا وهكذا مثلا السعودية توافق على عرض مسلسل " الفاروق" عمر الذي رأينا فيه لأول مرة كل الخلفاء الراشدين والصحابة والمبشرون بالجنة رضي الله عنهم وأرضاهم ،بينما الأزهر الشريف يؤثم من يشاهده ، انها دعوة لأزهرنا الشريف لكي يتوافق مع روح العصر لا نريده بالطبع ان يتجاوز عن مبدأ اسلامي ولكننا نستجير بمنهج العقل بدلا من النقل.