هذا حديث سوف ينكره المجلس العسكرى، لأنه يبدو منافيا لملفات أمن الدولة المستفة والمرتبة التى أعادوا استخدامها فى مواجهة فصيل وطنى مخلص، وبالطبع سوف يتجاهله عشاق خطاب الاستقرار والمتشبثين بشعارات «عجلة الإنتاج» من المؤمنين بالسلطة الأبوية للمجلس العسكرى، لأنه ربما ينسف جزءا من مبرراتهم التى على أساسها قرروا أن يمددوا مجددا أقدامهم فى وجه الحياة، مكتفين بنصف ثورة أو أقل، حققوها بسقوط مبارك وسلموا مقدراتاها لمجلس يصنع فيها ما يشاء 1 هكذا نشأت الحركة قصة تأسيس الحركة جرت منذ أعوام، تحديدا فى بداية عام 2008، حيث صدر بيان عن عمال مصنع غزل المحلة، أعلنوا فيه إضرابا عن العمل يوم السادس من أبريل، وطالبوا فيه بوقف عدد من الإجراءات التعسفية التى تنتهجها الدولة والقائمون على إدارة المصنع تجاههم، وكان هذا الإضراب واحدا من سلسلة إضرابات قام بها عمال غزل المحلة فى إعلان عن عهد جديد تلعب فيه قطاعات الشعب العاملة دورا فعالا لاسترداد حقوقهم. الدعوة وبعد أن صدرت فى البيان تلقاها نشطاء سياسيون من الشباب على شبكة الإنترنت، وقاموا بإرسالها عبر البريد الإلكترونى بصورة عشوائية، وتم رفعها على صفحات «فيسبوك» تضامنا ودعما لهؤلاء العمال الشرفاء. ولم تمر أيام حتى بدأت نقاشات تدور فى أوساط الشباب، حول كيفية خلق تضامن شبابى أوسع مع تلك الدعوة، وتطور الأمر إلى التفكير فى استغلال هذا الإضراب من أجل تذكير المصريين مرة أخرى بالحاجة لإصلاحات سياسية واقتصادية ومطالبات بديمقراطية بدت حدة المطالبة بها تتراجع مع خفوت نجم حركة كفاية التى لعبت فى 2005 دورا بارزا فى رفض التمديد والتوريث. تم تدشين صفحة على «فيسبوك»، أسسها كل من الناشط أحمد ماهر العضو السابق فى حركة كفاية، وإسراء عبد الفتاح عضوة حزب الغد، تمت الدعوة فيها إلى إضراب عام فى مصر، وقد نجحت الصفحة فى اجتذاب عشرات الآلاف من الداعمين للفكرة فى أيام قليلة، فى وقت أكدت فيه الصفحة سلمية الاحتجاجات التى تدعو إليها. تم تقسيم الصفحة إلى موضوعات، عنوان كل موضوع هو اسم إحدى المحافظات المصرية، حيث قام قطاع من شباب كل محافظة بالانضمام من أجل التنسيق والترتيب للمظاهرات السلمية والفاعليات التى سيتم إجراؤها فى ذلك اليوم. الدعوة كانت تشتمل مطالب عامة سياسية واقتصادية، متعلقة بحد أدنى من الدخول، والمطالبة بالقضاء على البطالة، وإلغاء قانون الطوارئ، ووقف التعذيب فى السجون المصرية، وغير ذلك من مطالب يتفق عليها الجميع من قوى سياسية ونشطاء، وبالفعل بدأت مجموعات المنضمين إلى الصفحة تلتقى النشطاء الشباب ذوى الخبرة السابقة فى محافظاتهم، وعقدت اجتماعات مكثفة وسرية للتحضير لمظاهرات تنظم فى الميادين الرئيسية فى محافظاتهم، وتدعو الأهالى للاشتراك فى تلك المظاهرات أو الامتناع عن الذهاب إلى العمل كحد أدنى فى رسالة تستهدف تذكير النظام بأن الشعب المصرى ما زال يدافع عن حقوقه المشروعة. وجاء يوم السادس من أبريل، ونجح الإضراب نجاحا أدهش مصر كلها، وسافر قطاع كبيرة من أصحاب الحماسة إلى مدينة المحلة الكبرى، ذلك اليوم الذى شهد مصادمات استخدم فيها الأمن العنف المفرط ومجموعات البلطجية فى مواجهة مظاهرات سلمية نظمت هذا اليوم، وهو ما خلف الوفيات والإصابات الخطيرة. فى صباح هذا اليوم جرى اعتقال أبرز النشطاء الشباب المعروفين، وبالطبع نجح بعضهم من خلال التجربة التى قضوها فى حركة كفاية وغيرها فى تفادى الاعتقال، إلا أن الأغلبية وقعت فى يد الأمن، وصدرت قرارات اعتقال بحقهم بموجب قانون الطوارئ لمدة شهر كحد أدنى. ربما الثمن المدفوع من الأرواح والإصابات والاعتقالات كانت تكلفته كبيرة، وكان ينقصه دعم شعبى أوسع، الذى ربما لو توافر لتحولت بروفة الثورة التى وقعت فى مدينة المحلة الكبرى يومها إلى ثورة كاملة فى ربوع مصر وأسقطت نظام مبارك منذ سنوات. المتعاطفون والداعمون لمن جرى اعتقالهم بدؤوا مشوارهم الطويل المعتاد من بحث عن أصدقائهم فى السجون التى قضوا فيها ما يقارب الشهر ونصف الشهر، ثم صدر قرار بالإفراج عنهم بعد قضاء المدة، وفى نقابة الصحفيين أقيمت احتفالية لتكريم هؤلاء الشباب المخلصين، وجلس الجميع بعد الاحتفالية يحاولون تقييم تجربة ما حدث فى مدينة المحلة، يقيمون الأخطاء، ويتفاخرون بما صنعوه من درس قاس ذكر النظام بأن الشعب المصرى ما زال قلبه ينبض بالحياة. اتفق الحضور من الشباب على تأسيس حركة شبابية، تواصل الكفاح الذى بدأته حركة كفاية وغيرها، وقد قرروا أن تكون الحركة شبابية خالصة، حتى تتمكن من تجاوز أمراض النخبة المصرية وصراع المصالح بينها الذى حال دون استكمال نجاحات سابقة، وبالفعل أعلن عن تأسيس حركة شباب 6 أبريل، وتم اختيار أحمد ماهر منسقا عاما للحركة التمويل الأجنبى 2 .. ادعاءات لا تتوقف الأمن المصرى، وعلى مدار مواجهاته المستمرة مع الحركات الاحتجاجية خلال السنوات السابقة، كان جزء رئيسى من استراتيجيته هو تفجير الحركات والأحزاب السياسية من الداخل، وبالطبع لم تسلم حركة 6 أبريل من تلك الحرب التى ازدادت رحاها فى نهاية عام 2008، حيث أثارت أجهزة الأمن اتهامات لأعضاء الحركة بتلقى أموال من الخارج، وتلقى التدريب فى دول أوروبا الشرقية على يد أجهزة الاستخبارات الأمريكية، إلا أن أجهزة الأمن التى لم تمتلك مستندات تؤكد ادعاءاتهم، لم تستطع اتخاذ إجراء قانونى واحد ضد أعضاء الحركة التى كانت هواتفهم ومراسلاتهم محل مراقبة من أجهزة الأمن لحظة بلحظة، وهو ما كشفته عملية اقتحام مقر أمن الدولة بمدينة نصر عقب الثورة المصرية المجيدة. وبالفعل تلقى عملاء الأمن داخل الحركة الشائعة التى تم إطلاقها، وبدؤوا فى ممارسة دورهم وفى تضخيم الشائعة، وإثارة حرب تخرج من داخل الحركة ضد الصف الأول من قيادتها، تلاقت مع مصالح مجموعات من الإسلاميين داخل الحركة، بدؤوا فى عزف الإيقاع نفسه حول الدعم الغربى للحركة، وغير ذلك من ترهات لم يستطيعوا إثباتها، فسرعان ما تركوا الحركة بعد أن نجح من تم اتهامهم فى إثبات براءتهم والنفى المطلق لتلك الشائعات بالأدلة والبراهين. والمتابع لشأن الحركة منذ تأسيسها، أو كان قريبا منها، يدرك أن أعضاء الحركة شأنهم شأن أغلب النشطاء الشباب، فقد كانوا حريصين على دراسة قد كانوا حريصين على دراسة تجارب التغيير فى أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية من خلال كتب وأفلام وثائقية موجودة على شبكة الإنترنت بكل لغات العالم، عقدوا حولها ندوات ومؤتمرات ونقاشات وورش عمل فى نقابة الصحفيين المصرية، حيث كان يتم إجراء النقاشات حول استراتيجية التغيير اللا عنيف، التى اتبعتها شعوب عدة من أجل مقاومة الاستبداد، بدءا من غاندى وانتهاء بالثورة المصرية، ويبقى أن اتباع تلك الاستراتيجية لا يحتاج إلى تدريب، فهو متوافر فى أدبيات التحول الديمقراطى وفى المكتبات، وعلى صفحات الإنترنت، كما قلنا. أما عن ورش العمل والمؤتمرات الدولية التى شارك فيها أعضاء الحركة بالحضور، فقد كانت تتم بصورة معلنة، شاركت فيها أيضا حركات وأحزاب مختلفة، كانت تستهدف إجراء نقاشات وعرض لتجارب حركات ونشطاء على مستوى العالم، منها ما عقد من قبل مراكز بحثية مصرية فى مصر، ومنها ما عقد من خلال منظمات «غير حكومية» بالخارج فى شكل علنى أمام الجميع، وكان الشباب فور عودتهم يبادرون بالذهاب إلى نقابة الصحفيين المصرية لعرض ما قالوه وناقشوه، وكانت صفحات الجرائد المصرية خير شاهد على الموقف نفسه، فأغلب من شاركوا فى تلك المؤتمرات والندوات والورش عادوا ليكتبوا عما رأوه وما سمعوه بالخارج. الأمر لم يقتصر عند ذلك، بل قام عدد من المراكز البحثية المصرية بإجراء مقارنات بين حركات التغيير فى مصر وفى دول العالم، تقارن بين نقاط القوة والضعف والتشابه والاختلاف، سواء على مستوى الواقع السياسى أو العالمى، وجمعت فى كتب على يد باحثين مصريين ما زالت نسخ منها موجودة فى تلك المراكز حتى الآن. وهنا ينبغى تأكيد أن الوصم بالتعامل مع الإدراة الأمريكية كان هو سلاح النظام منذ 2004 فى مواجهة خصومه الداخليين، وهو نفس السلاح الذى استخدمه فى مواجهة أيمن نور، وحركة كفاية، وتيار استقلال القضاء، وحركة شباب 6 أبريل، والصحف المستقلة صاحبة الموقف، والأحزاب الليبرالية، نهاية بالدكتور محمد البرادعى. والواقع أن من يتشدقون بتلك الحجج نسوا -أو تناسوا- أن المصلحة الأمريكية فى الشرق الأوسط لم يحققها إلا مبارك، ولم تكن الإدارات الغربية الغبية ترى فى المنطقة استقرارا لمصالحها إلا بوجود أنظمة مستبدة تضمن عدم وصول التيارات الدينية إلى الحكم. كذلك فإن الصدمة التى حققتها الثورة المصرية للغرب أكدت للجميع فشل كل أجهزة الاستخبارات -على مستوى العالم- فى التنبؤ وتوقع تلك الثورة، التى فاجأت الجميع، وبدا تعامل الدول الكبرى معها غاية فى الارتباك على خلفية المفاجأة. ويبقى السؤال فى النهاية إذا كانت «6 أبريل»، وحركة كفاية، ومجموعات البرادعى تعمل لصالح أجندة أمريكية-صهيوينة، وهى المجموعات التى لعبت دورا بارزا فى صناعة الثورة، فلماذا أعلن المجلس العسكرى انحيازه للثورة عقب تخلى مبارك؟ ألا يحمل ذلك تناقضا، ودعما لثورة صنعتها الأيادى الأمريكية؟ 3 حركة وطنية ناجحة الحركة وبعد أن تم تأسيسها، لعبت دورا وطنيا بارزا، وفى الوقت الذى كان فيه من يتشدق الآن بحماية الثورة فى ثبات عميق يتلقى الأوامر وينفذها على الوجه الأكمل، خاض هؤلاء الشباب معارك ضارية ضد جهاز مباحث أمن الدولة، ولاقوا منه كثيرا من اعتقالات وخطف وتعذيب وفصل من العمل، إلا أن ذلك لم يثنهم عن مواصلة ما بدؤوه، وتكررت كل عام دعوة الحركة فى ذكرى 6 أبريل لتنظيم احتجاجات عامة بكل المحافظات المصرية، كانت تواجه بعنف مفرط وعمليات خطف من قبل أمن الدولة، كانت تشمل العشرات، وكذلك فقد شارك شباب تلك الحركة فى الدعوة إلى وقفات ضد ممارسات جهاز الشرطة، كان أبرزها الأنشطة التى نظمت بالتنسيق مع صفحة «كلنا خالد سعيد»، بالإضافة إلى الدور البارز الذى لعبه نشطاء من الحركة فى يوم استقبال الدكتور محمد البرادعى ووصوله إلى مطار القاهرة فى فبراير 2010. وهنا ينبغى تأكيد أن الدعوة الأولى التى خرجت للاحتجاج ضد ممارسات جهاز الشرطة كانت من خلال حركة 6 أبريل فى 25 يناير عام 2010 ونجحت فى حشد المئات أمام دار القضاء العالى 4 أعضاء الحركة فى المقدمة أبرز أعضاء تلك الحركة ممن هم عرضة للتشويه الآن هم: المهندس أحمد ماهر، صاحب السيارة «128» التى يبدو أن أموال التمويل الضخمة المزعومة التى تلقاها من الولاياتالمتحدة لم تكن كافية لعمل «عمرة» لموتور سيارته التى لاقت ما لاقت من أمن الدولة. كذلك الناشط محمد عادل، المتحدث الإعلامى باسم الحركة، وهو شاب ممن يطلق عليهم الرعيل الأول للمدونين فى مصر، وهو يعمل فى مجال البرمجيات، وقد جرى اعتقاله من قبل الأمن لمدة تزيد على الثلاثة أشهر. عمرو على، أبرز المسؤولين عن العمل التنظيمى بالحركة، وهو الشجاع الموجود دائما فى الصفوف الأمامية لكل المظاهرات، والمستعد لدفع الثمن، حيث جرى اعتقاله هو الآخر أكثر من مرة، وأصيب فى يوم الثامن والعشرين من يناير بطلق فى إحدى قدميه