خلال ساعات نتيجة كلية الشرطة 2025    عبدالرحيم علي ينعى الدكتور محمد عبد اللاه رئيس جامعة الاسكندرية الأسبق    النيران الصديقة تهدي أرسنال انتصارا مثيرا أمام وولفرهامبتون في البريميرليج    آرسنال ضد وولفرهامبتون في الدوري الإنجليزي: انتصار قاتل    مصرع شاب تناول حبه غله سامة لمرورة بضائقة ماليه في العدوة بالمنيا    وفاة حداد إثر سقوط رأس سيارة نقل عليه بالدقهلية    محامي عروس المنوفية: إحالة القضية للجنايات.. ووصف الجريمة قتل مقترن بالإجهاض    نائب بالبرلمان يُطالب بتوضيح عاجل في أزمة التحرش بأطفال مدرسة النيل الدولية    إينيجو مارتينيز ينتظم في مران النصر قبل موقعة الزوراء    بحضور نجوم الفن.. ختام فعاليات مهرجان المنيا الدولي للمسرح| صور    وزير الصحة: لا توجد محافظة أو قرية في مصر إلا وبها تطوير.. ونعمل على تحسين رواتب الأطباء    رئيس وزراء العراق: الأمم المتحدة شريكا حيويا وأسهمت في تثبيت المسارات الدستورية    الداخلية تعلن نتيجة القبول بكلية الشرطة غدًا    محافظ المنيا يتابع مشروعات رصف الطرق ورفع كفاءة الشوارع    وزير العمل: الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي يعيدان تشكيل خريطة الوظائف في مصر    شاهد أول صور من حفل زفاف التونسية دارين حداد فى دبى    تخصصات مختلفة ورواتب مجزية.. العمل تُعلن عن فرص عمل جديدة في شركات خاصة    "الإسكان" تناقش استراتيجية التنقل النشط بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية ومعهد سياسات النقل والتنمية    «رحلات المهندسين» تختتم أعمالها بحفل تكريم ونجاحات بالأرقام وخدمات بشفافية كاملة    الأرصاد يُحذر من منخفض جوي يضرب البلاد غدًا وأمطار متوقعة بهذه المناطق    "أكثر شراسة".. خبر صادم من "المصل واللقاح" بشأن الأنفلونزا الموسم الحالي    المتسابق عمر ناصر: مسابقة دولة التلاوة طاقة أمل للمواهب علشان تتشاف    مصر تدعو إلى التهدئة والالتزام بمسار السلام في جمهورية الكونجو الديمقراطية    صاحب الصوت الشجي.. تكريم الشيخ حمدي محمود الزامل في برنامج "دولة التلاوة"    متحورات جديدة.. أم «نزلة برد»؟! |الفيروسات حيرت الناس.. والأطباء ينصحون بتجنب المضادات الحيوية    الرئيس الإندونيسي يؤكد توصيل مياه الشرب وإصلاح البنية التحتية لسكان المناطق المنكوبة بالفيضانات    برلماني أوكراني: البعد الإنساني وضغوط الحلفاء شرط أساسي لنجاح المفاوضات    شعبة الدواجن: المنتجون يتعرضون لخسائر فادحة بسبب البيع بأقل من التكلفة    منال عوض: المحميات المصرية تمتلك مقومات فريدة لجذب السياحة البيئية    ريهام أبو الحسن تحذر: غزة تواجه "كارثة إنسانية ممنهجة".. والمجتمع الدولي شريك بالصمت    "فلسطين 36" يفتتح أيام قرطاج السينمائية اليوم    يسري جبر يوضح حقيقة العلاج بالقرآن وتحديد عددٍ للقراءة    وزير الشباب يشهد ختام بطولة الأندية لكرة القدم الإلكترونية باستاد القاهرة    ضبط 5370 عبوة أدوية بحوزة أحد الأشخاص بالإسكندرية    كثافات مرورية بسبب كسر ماسورة فى طريق الواحات الصحراوى    مكتبة الإسكندرية تستضيف "الإسكندر الأكبر.. العودة إلى مصر"    القومي لذوي الإعاقة يحذر من النصب على ذوي الاحتياجات الخاصة    مقتل جنديين أمريكيين ومترجم مدنى فى هجوم تدمر السورية    برلماني أوكراني: البعد الإنساني وضغوط الحلفاء شرط أساسي لنجاح أي مفاوضات    الرسالة وصلت    إعلام عبرى: اغتيال رائد سعد جرى بموافقة مباشرة من نتنياهو دون إطلاع واشنطن    موعد صرف معاشات يناير 2026 بعد زيادة يوليو.. وخطوات الاستعلام والقيمة الجديدة    جامعة أسيوط تنظم المائدة المستديرة الرابعة حول احتياجات سوق العمل.. الاثنين    محافظ الغربية يهنئ أبناء المحافظة الفائزين في الدورة الثانية والثلاثين للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا    «الجمارك» تبحث مع نظيرتها الكورية تطوير منظومة التجارة الإلكترونية وتبادل الخبرات التقنية    لاعب بيراميدز يكشف ما أضافه يورتشيتش للفريق    بدء الصمت الانتخابي غدا فى 55 دائرة انتخابية من المرحلة الثانية لانتخابات النواب    وصفة الزبادي المنزلي بالنكهات الشتوية، بديل صحي للحلويات    محافظ أسيوط يفتتح المؤتمر السنوي الثالث لمستشفى الإيمان العام بنادي الاطباء    تشيلسي وإيفرتون في مواجهة حاسمة بالبريميرليج.. متابعة كاملة للبث المباشر لحظة بلحظة    أنفيلد يشهد صدام القمة.. ليفربول يواجه برايتون في مباراة حاسمة بالبريميرليج    الليجا على نار.. برشلونة يواجه أوساسونا في مواجهة حاسمة اليوم    فيديو.. الأرصاد: عودة لسقوط الأمطار بشكل مؤثر على المناطق الساحلية غدا    محافظ أسيوط يقود مفاوضات استثمارية في الهند لتوطين صناعة خيوط التللي بالمحافظة    وزيرة التضامن الاجتماعي تلتقي رئيس الطائفة الإنجيلية ووفد من التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولازالت مصطبة عم السيد شاهدة ?!    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 13-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سؤال الفن والتاريخ فى «جبل الزمرد»
نشر في التحرير يوم 18 - 03 - 2014


كتب- إيهاب الملاح إنها رواية «بديعة» حقا وصدقا، جديرة بأن تجذبك إلى عالمها دفعة واحدة، ولك أن تطلق ما شئت من أوصاف دون تحفظ أو رصانة مصطنعة، على رواية «جبل الزمرد» لمنصورة عز الدين، حفيدة شهرزاد ووريثتها المقتدرة الحكاءة البارعة، الساردة المتدفقة، المهجوسة بسؤالها الوجودى والمعرفى وطارحته فى الآن ذاته فى سرد خلاب، ساحر، يمتح من معين الليالى دون أن ينزلق إلى شبهة محاكاة أو تقليد أو الاستسلام لغواية «التماهى» فى النص السردى الأكبر. بحثت منصورة عن سؤالها وانشغلت به، وحفرت حوله للإمساك بجذوره العميقة، سؤالها المؤرق، سلطة المعرفة وقدرتها على التغيير. فالتدوين مفتاح الخلود، وثمرة المعرفة المحرمة، و«التذكر هو السبيل الوحيد لانبعاثها من الرماد».. التذكّر حياة، والنسيان محو وفناء، هو الموت ذاته، ولا سبيل إلى استعادة ما نريد استعادته إلا عبر الذاكرة، عندما يفقد المرء ذاكرته يُنفى خارج مدار الزمن والتاريخ. شخوص روايتها البديعة تحيا على الأعراف، بين الواقع والخيال تعيش، تكتب سيرتها فى المنطقة المعلقة بين السماء والأرض، هكذا نتعرف على «بستان البحر» أو «كاهنة الأبيض والأسود» الراوية، وحفيدة أحد الحكماء السبعة لجبل قاف أو «مملكة الزمرد»، الكائنة إلى مصيرها باستعادة سيرة الأميرة زمردة، بنت الملك ياقوت، حاكم المملكة ومدبر شؤونها، زمردة التى أعلنت قبل زوالها «الحكاية ستعيدنى، وكاهنة الأبيض والأسود ستجمع شظاياى»، تلك النبوءة / اللعنة التى تملك سر بعثها وبقائها إلى ما لا نهاية. أما «هدير» حفيدة «شيرويت» المناضلة اليسارية العجوز التى لا تملك إلا اجترار ذكرياتها وحث حفيدتها الشابة على التحرر والسفر وخوض تجربتها الخاصة، فهى تلك الفتاة التى تحيا فى قاهرة 2011، تحركت لعنتها وثارت بعد خمود، لترقب مصيرها المجهول، فالخلاص لا يكتمل إلا بحلول اللعنة ونزولها.. والثمن لا بد أن يسدد كاملا غير منقوص. وبين هدير وشيرويت، هناك «نادية» الجميلة، أم هدير المفتونة بالزمرد وحاملة اللعنة ومُورِّثَتُها فى آن، «رابونزل» المصرية، التى تضحك لها المرايا، باحثة عن خلاصها الذى وجدته فى «الهجرة» والمغادرة إلى حين. أما «مروج» حفيدة كبير الحكماء، فهى كاتبة السيرة ومفجرة اللعنة، خارقة المحظور هاتكة المحرم، صانعة الحكايات التى ستكتب بماء الذهب وتحفظ فى خزائن الملوك كالجواهر، أو تدون فى السجلات لأجل أن يطلع عليها الخلف فيعرف أخبار السلف، أو يسعى إليها الساعون فى البلدان المختلفة، لينسخوها بأدق ما يستطيعون، كى يعودوا بها هدية إلى ملوكهم الذين يحفظونها فى خزائنهم، ليطالعها من يبحث عن «الحكمة المتجددة» فى الزمان والمكان. «مروج» هى حاملة الحكمة المتجددة، «حكمة الكتابة» التى تصل الماضى بالحاضر بالمستقبل، فتهدم حواجز العرق والجنس واللسان والعقيدة، وتجمع من التدابير العجيبة والعلوم الغريبة والتجارب الحكيمة ما يصل القرون الماضية والأمم البائدة بالقرون الحالية والأمم الآتية، مؤصلة فى الإنسان انتماءه إلى المعمورة الإنسانية كلها فى أحلامها وأشواقها، مؤكدة أن حاجة الغائب موصولة بحاجة الشاهد، لاحتياج الأدنى إلى معرفة الأقصى، واحتياج الأقصى إلى معرفة الأدنى، فذلك هو طبع البشرية وفطرة الإنسانية التى تؤكدها «أمثولة شهرزاد»، وموازياتها الأخريات «زمردة» و«مروج» و«هدير» فى ما تؤكده من دلالات أو تومئ إليه. «المعرفة سبيل التحرر.. ولا تحرر إلا بهتك أستار اللعنة وحلولها» هذا هو الدرس الأهم للّيالى، الذى استخلصته منصورة واستوعبته جيدا عبر معايشتها لنص الليالى، مدركة أن «شهرزاد فى الليالى، إنما كانت تقدم أمثولة المثقف الذكى فى مواجهة السلطان الجائر، إلاّ أن قدرة المعرفة على التحرير لا تتوقف فى ذلك النص الثرى على شهرزاد وحدها، إنما تكاد تتكرر فى كل حكاية من حكايات اللّيالى، إذ تتناسل «الشهرزادات» ويتعدد الرواة البارعون فى سرد حكايات مخلِّصة». تدور أحداث الرواية فى فضاءات مكانية متعددة، من قلعة ألموت بإيران حيث جاءت حفيدة أحد الحكماء السبعة إلى القاهرة لتبحث عن «المنذورة» المعاصرة لاستكمال الحكاية الناقصة من الليالى، مرورا بالقاهرة وثاكاتيكاس بالمكسيك، التى ستلتقى فيها «كريم خان»، الحفيد الآخر لأحد الحكماء السبعة، وجبال الليالى الأسطورية، وممالكها السحرية، جبل قاف، وجبل المغناطيس، وما بينها تدور الدوائر وتتكشف الأسرار وتروى الحكايات وتتتابع الوقائع. هكذا تبدو رواية «جبل الزمرد» (أو الحكاية الناقصة من الليالى)، سردية رمزية كبرى، تترك قارئها، أو بالأحرى أسيرها المسحور، لاهثا يتمرى فيها لاستخلاص ليس المتعة فقط، إنما بالأساس «الحكمة والعظة»، كما حملتها الجملة المفتاحية المتكررة فى الليالى «حكاية لو كُتِبت بالإبر على آماق البصر لكانت عبرة لمن يعتبر»، وهى الجملة التى صدرت بها منصورة نصها الروائى الجميل، باعتبارها «جملة مفصلية» توصف بها الحكايات العجيبة والمهمة. فالعبرة / السؤال / والاشتباك الوجودى والمعرفى مع الموروث ومع الحاضر، هدف أساسى للحكى جنبا إلى جنب مع الإمتاع.. من هنا تؤسس منصورة لنص موازٍ لليالى، يستلهمه، ويشتبك معه، يناوشه ويحاوره يجاذبه من حيث هو «النص الأكبر» المكرس بكامله لمديح فن الحكى، والاحتفاء به بوصفه الفعل الأكثر إمتاعا وجلبا للتسلية والعِبرة. تتفحص منصورة فى نصها متاهة الحدود الملتبسة بين التاريخ والفن، فما يواريه التاريخ ويسكت عنه، ينطق به الفن متحررا من أسر أى سلطة زمنية أو أى حدود ينبغى أن تحد، ذلك ما تبحث عنه منصورة جاهدة «عما يشبه تلك الحكايات الشفاهية الآسرة، عن كتابة لا تعترف بالحدود الفاصلة بين الواقع والخيال»، من خلال ثنائية «الشفاهى والكتابى»، فالحكى عند منصورة كما فهمته عن جدتها الأسطورية شهرزاد «يمنحها سلطة هائلة، سلطة خالق يتحكم فى المصائر، ويسيطر على آذان مستمعيه جاعلا قلوبهم تخفق على إيقاعات صوته المتماوج بين الهمس والصياح، بين العلو والانخفاض، بين تصدير الأمل والحماسة أو الخيبة والشجن». إن الرواية تجسد ببراعة لا نظير لها ذلك الخوف اللا شعورى من القوة الكامنة فى عملية الكتابة «التدوين»، وهو خوف يوازى سوء الظن المتأصل بالأنثى، وكما لو كانت «الكتابة / الشر» هى الفعل الذى إذا أطلق سراحه أحال الكبير إلى صغير والصغير إلى كبير، والمقموع إلى متمرد، والسادر فى ظلمات الجهل والخرافة إلى حائر متشكك فى محيطات المعرفة، واستبدل الأدوار وعبث بالمواضعات والأعراف وفتح من أبواب الوعى ما ينقض كل قمع ويزرع بذرة التمرد فى أعماق كل مقموع. ويبدو أن «الكتابة» التى أصبحت العلم المحيط للكون اكتست المعنى الرمزى لشجرة المعرفة المحرمة التى كان على الإنسان أن يقطف ثمارها مقترفا فعل الخيانة الذى اقترفه بروموثيوس حينما سرق نار المعرفة من الأرباب التى حرمتها عليه فاستحق العقاب الذى خرج به من جنة الطبيعة إلى جحيم الثقافة / المعرفة. فى ظنى ستكون «جبل الزمرد» واحدة من الروايات التى ستملأ الدنيا وتشغل الناس طويلا، وهى جديرة بأن تشغلهم وتمتعهم وتخلب ألبابهم.. فلتحيا مملكة الرواية!

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.