ثورة 25 يناير تخيل معي.. انك كنت تسكن بيتاً قديماً ومشروخاً من كل جانب، وكلما آتتك منحة إلهية، أو ادخرت من ''قوتك وقوت عيالك'' بعض الأموال لكى تنكس هذا البيت وتجدده يأتيك مقاول حرامي وجشع، ليسطو علي عرقك، ويصادر حقك في أن تحلم ببيت ''بحق وحقيقي''، يؤويك انت وأسرتك، ويعطيك أملاً في أن تفكر في المستقبل.. ومع الوقت انتزع هذا المقاول النصاب، الذى ائتمنته على نفسك ملكية هذا العقار، وصرت مستأجراً بعد أن كنت مالكا. وهب، أنك رضيت بهذا الحال، الذى استمر سنوات وسنوات، قضيتها وأنت قانع وقابع دون أي تذمر أو اعتراض منك، وأخينا المقاول البلطجي، أصبح هو المالك والحارس والتاجر.. بل وأيضا شيخ الحارة وأمام الجامع والفتوة الذي يحميك، واصبح بينك وبين هذا الوضع المعكوس ''عشرة''.. والعشرة ماتهونش الا علي ولاد الحرام.. واللي نعرفه احسن من اللي منعرفوش.. والحمد لله علي اد كدا.
ولكن ابن من أبناءك، من جيل ال''فيس بوء''، لم يرضى بهذا الحال المهين والمذل، فقرر أن يتذمر ويغضب، ثم ثار على هذا المقاول، وانضم اليه شباب وبنات الجيران. وياااااا للعجب، اتضح أن هذا المقاول، بشر يمكن الحاق الأذى به، ويمكن ضربه، بل واسقاطه ارضاً، وبالضرب القاضية.. وهو ما تم بالفعل، ولكن هذا المقاول، لم يرد أن يرحل دون أن يترك لك ''ذكرى هباب لأيام العذاب''، فانتزع الاعمدة الواهنة التي كانت ''تلصم'' البيت.. فتهدم سقفه والكثير من اعمدته، ونجوت بحياتك أنت وكل وأغلب جيرانك.. الواقع الان يا صديقي، يحمل مجموعة من الحقائق، أهمها أن الغمة انزاحت والمقاول رحل والحمد لله، والأرض التي عليها بيتك عادت اليك.. ومبرووووك، وإن كان بيتك اصبح لا يصلح للسكن بحالته المتهالكة، ويحتاج منك جهدا جبارا، لكي تعيد بناءه.. فماذا انت فاعل بأرض عادت إليك، وبيت تهدمت الكثير من اجزائه ؟! لا أعتقد انه يمكن باي حال من الاحوال، أن نسئل من تهدم بيته، ويجلس امامه، مصدوما من لحظة الهدد.. هاااا وانت حالك ايه ؟ مبسوط دلوقتي.. ولا الأول كان أحسن !! مثل هذه الاسئلة الخبيثة، أو لنفترض حسن النية، ونقل الساذجة، آراءها مغرضة لن تقدم او تأخر، وستزيد الوضع سوء، ومن يريد أن يصب غضبه علي الاوضاع الراهنة، عليه أن يطلقه في الاتجاه الصحيح، وكلنا يعرف أن الاتجاه الصحيح في شرم الشيخ وفي سجن طره، وفي الكثير من اقسام الشرطة والمصالح الحكومية التي عاث فيها النظام فسادا لعقود طويلة دون حسيب أو رقيب. من يريد أن يغضب من الاوضاع الراهنة، التي نتفق جميعا علي انها ضبابية، وقد – لا قدر الله- تؤدي بنا الي المجهول، عليه ان يطالب بمحاكمة المتسبب الحقيقي في هذه الفوضى التي نعيشها، عليه أن يطالب بحبس من صعد الامور، وخرب الاقتصادي، واطلق البلطجية ليتمسك بالحكم ويعاند شعب بأكمله.. اراد ان يورثه غصبا عنه، الغضب يجب ان يكون في اتجاه من قتل الشهداء، ومن سرق أموالنا وثروات مصر لسنوات طويلة، من جعل جهاز منوط به حماية الوطن، لجهاز كل دوره حماية النظام، وخنق وسجن كل منافذ الحرية والديمقراطية والامل أمام الناس. أكبر دليل علي أن هذه الثورة، جاءت في وقتها، وفي الاتجاه الصحيح، هذه الحالة من الميوعة والفوضى والانفلات، التي تعنى شيء واحداً ومؤكداً - من وجهة نظري المتواضعة- اننا لم نكن نعيش في دولة، ولا في منظومة تعتمد علي العمل المؤسسي، بل ''تكية خاصة''.. يبتكر قواعدها وينفذها ويقيمها ويحاسب عليها نفس الافراد، أصحاب السلطات الخرافية، التي تفسد الملائكة انفسهم !! من الظلم الشديد أن نبدأ في تقييم قطار الثورة، وهو مازال في يتحرك بحثا عن محطة الوصول، أو علي الاقل استراحة مؤقتة لالتقاط الانفاس.. من الظلم أن نقول اننا كنا نعيش في دولة الاستقرار والأمن والامان، رغم أننا جميعا، لم نكن نأمن علي حياتنا وأسرنا وعملنا من ظلم مسئول كبير مسنود، صنعته - شبه- دولة غاب فيها القانون والقائمين عليه، واصبح الحكم فيها ب''المزاج''.. وبعد هذا يقولوا دولة واستقرار وامن وامان. كلمة اخيرة: يا سادة من كان فينا يستطيع أن يقول ماذا سيحدث في المستقبل قبل أحداث 25 يناير، فليخرج علينا، ويقول لنا إلي أين كانت تسير مصر؟.. سيقولون والان أيضاً لا نعرف الي نسير.. لا يا عزيزي الفرق كبير.. بين مستقبل لا تعرف ماهيته ولا تشارك في صنعه، وبين مستقبل مبهم.. ولكنك تملك أن تغيره وتعدل من مساره في اي وقت.. لأنه المستقبل اصبح لك.. ومصر اصبحت بلدك وانت حر فيها.