هل المطلوب من الإعلام أن يتعامل مع الحزب الوطنى باعتباره مثل إله من العجوة، مطلوب من الجميع أن يطوفوا حوله صاغرين طائعين، ومن لا يفعل ذلك يدخل فى زمرة العصاة المارقين؟ يبدو أننا أمام مرحلة جديدة يساق فيها الإعلاميون للذبح بتهمة جديدة ومبتكرة هى العيب فى الذات الحزبية، على اعتبار أن «الوطنى» هو الحزب الكامل الذى لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه، ومن ثم فإن أية مناقشة أو انتقاد له تعد من المحرمات التى تذهب بصاحبها إلى الجحيم. وبعد الشكوى والإنذار شديد اللهجة من الحزب الوطنى إلى قناة دريم وتحديدا برنامج العاشرة مساء، ها هو أحد نواب الوطنى يطالب بإجراءات رادعة ضد البرنامج ومقدمته منى الشاذلى، وعلى عهدة موقع اليوم السابع الإلكترونى فإن نائب الشورى معوض قدم خطابا لرئيس مجلس الشورى باقتراح بشأن المطالبة بالتحقيق واتخاذ إجراءات فورية رادعة ضد برنامج «العاشرة مساء»، إثر الحلقة التى تم بثها مساء الأحد الماضى على قناة «دريم 2» لعدم مراعاته المعايير المهنية التى وضعتها لجنة رصد ومتابعة التغطية الإعلامية والإعلانية لانتخابات مجلس الشعب. والواضح أن السيد النائب يتعامل وكأن حزب الحكومة ليس تجمعا سياسيا يضم مجموعة من البشر، يخطئون كثيرا ويصيبون نادرا، مثل كل المصريين، بل هو كيان مقدس، يضم آلهة وأنصاف آلهة، لا يجوز انتقادهم أو مناقشتهم أو إخضاع تصرفاتهم لمعايير إنسانية، مثل تلك التى تطبق على باقى البشر والأحزاب. والأغرب فى القصة كلها أن تهمة «عدم مراعاة المعايير المهنية» أصبحت مضغة تلوكها الأفواه تماما كما كان يحدث مع واحدة من أدبيات العبث والتهريج السياسى والإعلامى على مر العصور وهى «الإساءة إلى سمعة مصر» تلك التى كانت سلاحا مشهرا فى وجه كل من يختلف مع منظومة الأفكار النمطية الرسمية السائدة. نحن إذن بصدد نوع من المكارثية الجديدة على الطريقة المصرية، ولأن الحزب الوطنى هو قلعة الفكر الجديد فطبيعى أن يكون له السبق فى طرح هذه الطبعة المتطورة من المكارثية، بحيث يبدو معها السيناتور جوزيف مكارثى الذى سميت المكارثية على اسمه تلميذا مبتدئا أمام نواب وأعضاء الحزب الوطنى المكارثى الديمقراطى. ذلك أن غاية ما فعله السيد مكارثى (1908 1967) أنه اتهم بعضا من موظفى الخارجية الأمريكية بالتعاطف مع الشيوعية، أما السادة أعضاء الحزب الوطنى فإنهم يطالبون باتباع سياسة الضرب فى سويداء القلب مع كل من ينتقد برنامج الحزب أو يناقش تكتيكاته الانتخابية العميقة.. يا لطيف. جريدة الشروق