المشاط: 637 مليار جنيه استثمارات عامة موجهة للمشروعات الخضراء بخطة 2025-2026    ميناء دمياط يستقبل 21 سفينة متنوعة    محافظ بورسعيد يشدد على سرعة استكمال إجراءات تقنين أوضاع أراضي الاستصلاح الزراعي    مدينة غزة تباد.. أكثر من 150 غارة إسرائيلية في يومين    الهلال الأحمر المصري يدفع بنحو 1700 طن مساعدات عبر قافلة زاد العزة ال39 إلى غزة    تواجد صلاح.. تشكيل ليفربول المتوقع أمام أتلتيكو مدريد    شوبير: فترة غياب إمام عاشور عن الأهلي لن تكون قصيرة    تحقيقات المتهم بقتل والده في الخليفة: طعنه أثناء صلاته حتى خرجت أحشائه من جسده    القبض على قائد سيارة ملاكي لسيره عكس الاتجاه في المطرية    حملات نظافة وتعقيم بالمدارس.. تعليم كفر الشيخ تعلن استعدادها للعام الدراسي الجديد    بعد غياب 3 أعوام.. محمد عبده يحيي حفلا غنائيا في البحرين ديسمبر المقبل    الشعبة العامة للأدوية تطالب بتأجيل إعلان اللائحة التنفيذية لقرار تتبع الدواء رقم 475 لسنة 2025    عاجل- الرئيس السيسي وقرينته يستقبلان ملك وملكة إسبانيا في القاهرة اليوم    التلفزيون السوري: الاحتلال يعتقل 4 شبان من 3 قرى خلال حملة دهم وتفتيش بريف القنيطرة    ارتفاعات في أسعار الخضروات بأسواق المنيا اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025 وسط ضغط على بعض الأصناف    تخفيضات وتذاكر مجانية.. تعرف على تسهيلات السكة الحديد لكبار السن 2025    بريمير: عقلية يوفنتوس قوية لكن لا يمكن استقبال هذا الكم من الأهداف    ميدو: طبيب الأهلي مسؤول عن إصابة زيزو.. وتصريحات النحاس غير موفقة    تشكيل الزمالك المتوقع أمام الإسماعيلي في الدوري    أيمن الشريعي: علاقة عبد الناصر محمد مع إنبي لم تنقطع منذ توليه مدير الكرة بالزمالك    أسعار الحديد في المنيا اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025    أماكن معارض «أهلاً مدارس» 2025 في الغربية بتخفيضات تصل ل30%    توقيع اتفاقية تعاون بين جامعتي بورسعيد وغنت البلجيكية    24 سبتمبر.. محاكمة متهم في التشاجر مع جاره وإحداث عاهة مستديمة بالأميرية    مصرع شخصين وإصابة آخر فى اصطدام قطار بدراجة نارية بالشرقية    ضبط زوجين بشمال سيناء بتهمة غسل 50 مليون جنيه من تجارة المخدرات    رسميًا.. موعد نتيجة تنسيق كليات جامعة الأزهر 2025 (رابط)    بإطلالة جريئة.. هيفاء وهبي تخطف الأنظار في أحدث ظهور.. شاهد    أكثر 6 متاحف زيارة في العالم.. اللوفر يحافظ على الصدارة    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في الشرقية    إسرائيل تؤكد أنها قصفت أكثر من 150 هدفا منذ يوم الإثنين في غزة    نائب وزير الصحة تعقد اجتماعًا بمستشفى قنا العام لتطوير مراكز التميز في خدمات ما حول الولادة    صحة المرأة والطفل: الفحص قبل الزواج خطوة لبناء أسرة صحية وسليمة (فيديو)    وزير الري يشارك في احتفال "الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي" بمناسبة مرور مائة عام على تأسيسها    التعليم يبحث مع وفد الشيوخ الفرنسي سبل تعزيز التعاون    جامعة القاهرة تكرم الراحلين والمتقاعدين والمتميزين    قلق في ريال مدريد بعد إصابة ألكسندر أرنولد    اليابان لا تنوي الاعتراف بدولة فلسطين حاليًا لهذا السبب    تعليم القاهرة تعلن مواعيد العام الدراسي الجديد 2025-2026 من رياض الأطفال حتى الثانوي    منال الصيفي تحيي الذكرى الثانية لوفاة زوجها أشرف مصيلحي بكلمات مؤثرة (صور)    نائب رئيس الوزراء الروسي: معظم العاملين في محطة الضبعة النووية مصريون    وزير الدفاع السعودي ولاريجاني يبحثان تحقيق الأمن والاستقرار    3 شهداء في قصف إسرائيلي على منزل وسط قطاع غزة    تناول الشوفان صباحًا يساعد على خسارة الوزن لكن بشروط    السيطرة على حريق هائل نشب بمطعم الشيف حسن بمدينة أبوحمص بالبحيرة    بهدف ذاتي.. توتنام يفتتح مشواره في دوري الأبطال بالفوز على فياريال    بالصور- مشاجرة وكلام جارح بين شباب وفتيات برنامج قسمة ونصيب    "يانجو بلاي" تكشف موعد عرض فيلم "السيستم".. صورة    مسلسل سلمى الحلقة 25 .. خيانة تكشف الأسرار وعودة جلال تقلب الموازين    «دروس نبوية في عصر التحديات».. ندوة لمجلة الأزهر بدار الكتب    توقعات الأبراج حظك اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025.. الأسد: كلمة منك قد تغير كل شيء    انخفاض بدرجات الحرارة، الأرصاد تعلن طقس اليوم    سعر السمك البلطي والسردين والجمبري في الأسواق اليوم الأربعاء 17 سبتمبر 2025    أوقاف الفيوم تنظّم ندوات حول منهج النبي صلى الله عليه وسلم في إعانة الضعفاء.. صور    قافلة طبية مجانية بقرية الروضة بالفيوم تكشف على 300 طفل وتُجري37 عملية    مهرجان الجونة يكشف عن برنامج مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بالدورة الثامنة    فيديو - أمين الفتوى يوضح حالات سجود السهو ومتى تجب إعادة الصلاة    أمين الفتوى يوضح الجدل القائم حول حكم طهارة الكلاب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا لن يثور المصريون؟


15/ 7/ 2010
تساءل الكثيرون عن أسباب عدم ثورة المصريين، وذكروا فى معرض إجابتهم عن هذا السؤال أسبابا تتعلق بطبيعة الشعب المصرى المستسلم لجبروت السلطة، وأخرى تتعلق بقسوة القبضة الأمنية وميراث الاستبداد الشرقى، وثالثة تتعلق بالقهر الاجتماعى والاقتصادى والجرى على لقمة العيش، وأخيرا هناك أسباب ثقافية أخرى تتعلق بالإرث الفرعونى الذى أله فيه الشعب فرعونه ورؤساءه معا.
وظلت كل هذه الإجابات تغطى جانبا من السؤال وجانبا من الحقيقة، ولكن الجانب الأكبر من المشكلة لا يكمن فى الإجابة إنما فى السؤال نفسه، وهو: لماذا مطلوب من المصريين -دون غيرهم من شعوب الأرض- أن يثوروا على حكامهم، ولماذا يصر البعض على طرح هذا السؤال المغلوط حتى يصل إلى إجابة غير صحيحة عن استسلام المصريين وخنوعهم أمام الحكام، ولماذا لم يثر العراقيون والجزائريون الأكثر حدة بين الشعوب العربية على حاكمهم، واحتاج العراقيون إلى غزو أمريكى ونخب محمولة جوا لتغيير نظام صدام حسين،
ولماذا لم يثر الأتراك منذ أسس مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية التركية عام 1923، رغم أن تركيا ظلت تعيش فى ظل نظام الحزب الواحد حتى عام 1946، وعرفت انقلابات عسكرية حتى عام 1980، ولكنها فى النهاية تطورت نحو الديمقراطية عبر عملية تراكمية لم تعرف فى أى مراحلها ثورة قوضت أسس النظام القائم، إنما نضالات إصلاحية تعدل بالنقاط لا بالضربة القاضية كثيرا من مظاهر الانحراف وغياب الديمقراطية فى النظام التركى، إلى أن أصلحته من داخله وأفرزت -عبر عملية تراكم طويلة- تيارا إسلاميا يؤمن بالعلمانية والنظام الديمقراطى، وآخر علمانيا يؤمن بالديمقراطية للجميع.
أما بلدان أوروبا الشرقية فقد صنعت نظمها الاشتراكية لعبة تقسيم النفوذ بين السوفييت والأمريكيين فى عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأنهتها أيضا البيئة الدولية لعالم ما بعد الحرب الباردة، ولم تعرف جميع هذه البلدان نموذجا واحدا للثورة الشعبية أو العصيان المدنى من أجل التخلص من استبداد نظمها الشيوعية، إنما صورا مختلفة من الاحتجاجات السياسية والاجتماعية لم يكن فى أى منها ثورة مليونية واحدة، بما فيها رومانيا التى تحدث الإعلام الغربى بخصوصها عن ثورة حدثت فى التليفزيون وليس فى الواقع، بل إن قلعة الاشتراكية فى الاتحاد السوفييتى انهارت من داخلها وعبر «إصلاحات» بدأت من داخل النظام على يد الزعيم «الشيوعى ميخائيل جورباتشوف» وليس عبر الثورة الشعبية.
والمؤكد أيضا أن كل دول أمريكا اللاتينية لم تتغير عبر ثورات شعبية مليونية كتلك التى عرفتها إيران عام 1979 (الاستثناء الوحيد المعاصر فى تجارب التغيير) إنما عبر ضغوط سياسية شبيهة بالاحتجاجات الاجتماعية المصرية، مع فارق رئيسى أن أمريكا اللاتينية كانت مسيسة، ولديها تواصل مع النقابات والأحزاب السياسية اليسارية فى حين أنها فى مصر ظلت «منزوعة الدسم» أى بعيدة عن المطالب والتيارات السياسية.
إذن السؤال المغلوط يرتب إجابات مغلوطة، فاعتبار الثورة هى المسطرة التى نقيس عليها إيجابية الشعوب من عدمها وهم كبير، فحتى إيران التى عرفت ثورة عظيمة قام بها شعب عظيم، لم تجلب إلى الآن الديمقراطية للشعب الإيرانى، فى حين أن الديمقراطية جاءت إلى إسبانيا والبرتغال من خلال النظام القائم، بعد أن قرر فرانكو فى إسبانيا ترتيب عودة الملك وتسليمه السلطة وقيامه بالإصلاحات الديمقراطية المطلوبة، ولم يقم الإسبان طوال فترة حكم فرانكو بثورة ضد حكمه إنما فقط بمجموعة كبيرة من الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية، وكذلك البرتغال التى قام فيها الجيش بوضع أسس النظام الديمقراطى بعد فترة طويلة من الحكم الشمولى للرئيس سيزار.
ولم يتهم باقى الأوروبيين الإسبان والبرتغاليين بالخنوع والسلبية لأنهم بدءوا تحولهم نحو الديمقراطية فى منتصف السبعينيات، ولم يقوموا بثورة مثل الثورة الفرنسية التى حدثت منذ أكثر من قرنين.
لقد دافع البعض عن نموذج استثنائى فى تاريخ حركات التغيير فى العالم، فباستثناء الثورة الفرنسية والروسية والإيرانية لم ير العالم ثورات شعبية كبرى تتحرك فيها الجماهير من أجل إسقاط النظام القائم، فدول أوروبا الغربية تحولت نحو الديمقراطية عبر عملية تطور داخلى عرفت أشكالا متنوعة من الاحتجاجات الشعبية مثلت عنصر ضغط على النظام دفعت قوى وتيارات إصلاحية من داخله إلى إجراء إصلاحات متدرجة أسست للنظم الديمقراطية الحالية.
والحقيقة أن مشكلة الحالة المصرية فى وجود جانب من قوى الحراك السياسى اختزل عملية التغيير فى وسيلة واحدة هى التظاهر تمهيدا لدفع الجماهير نحو الثورة أو العصيان المدنى، والمدهش أن مظاهرات السياسيين التى تخاطب السياسيين ضمت عشرات لم يتغيروا منذ 2004، فى حين أن مظاهرات السياسيين التى استهدفت غير السياسيين، وركزت نضالها على قضية محددة مثل حادثة «خالد سعيد» حققت نجاحا مبهرا، وفرضت على الحكم أن يعيد حساباته ويتوقف -ولو مؤقتا- عن الاستهانة بأرواح الناس وتغطية أى جرائم ترتكبها الداخلية، وتحدث بعض مسؤوليه بلغة «النشطاء» وطالبوا بمحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة.
والمؤكد أن تراجع الحكومة لم يأت نتيجة بيان محترم أصدره الاتحاد الأوروبى أو تصريح عابر لوزارة الخارجية الأمريكية كما تصور بعض السذج أو المغرضين، إنما نتيجة موقف أهل الإسكندرية الشجاع من تلك الجريمة، وهذا الوعى اللافت الذى عبر عنه بسطاء الناس فى مواجهة جريمة مكتملة الأركان.
ولعل درس رد الفعل الشعبى على جريمة خالد سعيد يتمثل فى أن الناس فى مصر تحتج على الظلم حين تكون أمام قضية محددة وحين تجد نخبة سياسية تحدثها بلغة تفهمها بعيدا عن المزايدات والخطب الثورية التى صممت للتنفيس عن إحباطات عشرات الأشخاص، ولم تكن فى أى يوم قضية جماهيرية.
والمؤكد أن الاحتجاجات الاجتماعية الفئوية هى أيضا «نمط مصرى» للاحتجاج على المظالم حتى لو كان بعيدا عن السياسة، فهو أمر يحترم ولا يجب النظر إليه باستعلاء كما يفعل بعض السياسيين لأنه لا يتحدث فى التوريث ولا فى الإصلاح الدستورى، فهو يمثل عنصر ضغط على الحكومة بصورة أكبر بكثير من وقفات بعض النشطاء هنا أو هناك، وهو قابل للتفجر والانتشار بصورة يصعب السيطرة عليها.
ولعل المفارقة أن بعض حركات الاحتجاج السياسى التى تدعى كل يوم أنها تمثل الجماهير الشعبية رفعت شعارات سياسية شديدة الثورية والراديكالية، فى حين أن احتجاجات الطبقات الشعبية المصرية وعلى رأسها العمال كانت أكثر هدوءا وحكمة وبساطة، بصورة أربكت حسابات الحكومة، وفى نفس الوقت ابتعدت تماما عن خطاب «القوى الثورية» الجديدة والقديمة، الذى يتحدث عن طبقة عاملة فى خيالهم غير تلك الموجودة فى الواقع.
من المهم قراءة تجارب التغيير فى مصر والعالم بصورة متأنية، حتى لا نحمل الشعب المصرى أكثر مما يحتمل ونتهمه بالخنوع، رغم أن نماذج التغيير بالثورة الشعبية والعصيان المدنى كانت استثناء فى تاريخ التجارب التى تحولت نحو الديمقراطية فى العالم كله، وأننا إذا قرأنا واقعنا جيدا سنكتشف أن البلاد ستعرف مزيدا من الاحتجاجات والانتفاضات التى لن تؤدى إلى ثورة شعبية عارمة، ولكنها يمكن أن تمثل قوة ضغط حقيقية على النظام فى حال إذا تفاعلت معها نخبة إصلاحية واعية داخل النظام وخارجه، ونشطاء جدد بدءوا يظهرون ويقدمون نمطا جديدا فى ممارسة العمل السياسى.
ربما تكون مصر فى حاجة أكثر من أى وقت مضى إلى «لوبى للإصلاح» ينقذ البلاد من خطر تفكك الدولة وتحلل النظام وانهيار المؤسسات والمرافق العامة، لأن من الصعب أن تستمر البلاد ضحية جمود النظام وتكلسه وعدم كفاءته، ووهم الثورة الشعبية التى لم تعرفها مصر إلا فى مواجهة المحتل، ومعها معظم دول العالم.
المصدر :جريدة المصرى اليوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.