جعل الإسلام العقل حكما في الدير وفي الإيمان، يقول الله سبحانه وتعالي: «ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لايسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فم لا يعقلون» سورة البقرة ويفسر الشيخ محمد عبده هذه الآية فيقول: «إن الآية صريحة في أن التقليد بغير عقل ولا هداية هو شأن الكافرين وأن المرء لا يكون مؤمنا إلا إذا عقل دينه وعرفه بنفسه حتي ، فمن تربي علي التسليم بغير عقل والعمل ولو صالحا بغير فكر فهو غير مؤمن فالمقصود بالإيمان أن يرقي الإنسان بفعله وترتقي نفسه بالعلم فيعمل الخير لأنه يفقه ويعلم أنه الخير النافع المرضي لله ويترك الشر ويبتعد عنه لأنه يفهم جيداً سوء عاقبته ودرجة مضرته ويكرر القرآن مئات المرات في سوره المختلفة وكلها موجهة إلي قوي الإنسان العاقلة تدعوه إلي التدبر والتأمل ليكون إيمانه عن عقل وبينة وتحذر من الأخذ بما وجد آبأه عليه من غير نظر فيه وتأمل واقتناع وتفحص وثقة ذاتية بمبلغه الحق وذلك هو الإيمان الحق، فالله رب قلوب وضمائر ولا تخدعه القشور والتركيز علي توافه الأمور وهو فقط صاحب الحق الأوحد في الحكم علي البشر ومن تنال منه الرضا والقبول. قال وكلمات الله في المصحف الشريف مرجعية شاملة للإنسان السوي الذي خلقه الله في أحسن الصور ووهبه فعل الذي يميز بين الخير والشر والصواب والخطأ والقبح والجمال واليقظة والغفلة والتكبر والتواضح والسمو والتدني والحق وغير الحق ولم يكرهنا الله علي دين أو عقيدة بل تركنا نميز ونتعقل ونهتدي ونؤمن بما هو خير لنا ووهبنا الحدس الذي يلهمنا ويرشدنا للطريق الصحيح. كما قرأت القرآن قرأت أيضا الإنجيل والتوراة والكثير من الكتب الدينية والتي كلها تدعو إلي الخير والحق والجمال، ولم أر أو أحس وأشعر برهبة الكلمة وصدق المعني وبلاغة المفردات ونور الفكر الشمولية في كل صغيرة وكبيرة من أمور الدنيا إلا في هذا الكتاب الساحر المصحف الشريف فهو حقاً معجزة المعجزات فهو الدليل الهادي إلي الخير والحق والمساواة والرحمة والحب والجمال والصفاء والامتنان والتواضع والشرف والعفة والنزاهة وصدق القول والفعل ولو التزم كل مسلم بما ورد في القرآن وفعل به لتغير الكون وعم السلام لكن أين نحن من كتاب الله؟ فالكثير منا يقرأ القرآن بعيونه وليس بعقله وقلبه ويأخذ الدين بقشوره وليس بجوهره، وهذا أضعف الإيمان فمن لا تغسله آيات الله وتنقيه في الداخل فهو بعيد كل البعد عن الإسلام والمسلم الحق من سلم الناس من لسانه ويده فالكثير منا ينتهي من صلاته وترتيل القرآن ليدخل فاصلا من النميمة والإدعاءات الكاذبة والكثير منا يدعي الحق وهو في أعماقه قمة الباطل والكثير منا يحلل الحرام له ويحرم الحلال لغيره.. كل هذه التناقضات والإزدواجية والنفاق والتظاهر بعكس ما يبطنه الإنسان تجعلنا أمة مفككة ينخر السوس في قوائمها فتنهار وتتشتت قواها ويكون مصيرها الهلاك وما آره الآن أن التيار الإسلامي يستقطب الأنظار فلقد تحول بعد ثورة يناير من تيار معزول ملاحق من الدولة قادته كانوا في السجون والمنافي قد تحول إلي قوة سياسية تستعد لدخول مواقع السلطة من أوسع أبوابها وأنهم ينسبون الثورة لهم فقط وأنهم أحق بقطف ثمارها دون مراعاة لمصلحة الدولة وعواقب الأمور وهذا الواقع يثير جدلاً بين القوي والتيارات الشعبية والآخري.. فلقد منحتهم ثورة يناير فرصة نادرة للانفراد بالمعارضات وامساك زمام قيادتهما وأدت للملاحقات والمضايقات للإخوان إلي فرز صفوف من القياديين الذين اصطفت خلفهم جماهير واسعة ومنظمة من بسطاء الشعب تعاملوا معهم بذكاء ولعب علي الوتر الحساس «الدين» وأطلقوا شعارات هي أقرب إلي الراديكالية الليبرالية وفتحوا الأبواب أمام حوارات منفتحة مع شرائح الثورة من أجل إطفاء المخاوف من نوايا السيطرة علي الانتخابات الرئاسية والتشريعية وأعلنوا أن كل من يطمحون إليه هو الوصول بكتلة كبيرة إلي البرلمان أعلنوا جهارا في بادئ الأمر عدم النية أو المنافسة في الانتخابات الرئاسية ولكن علي ما يبدو أنهم يبطنون عكس ما يفعلون دون تفكير في مصلحة الدولة والدخول في متاهات لا تنتهي من الحروب الأهلية وموقف الأقباط في مصر وأن الدين لله أما الوطن للجميع، وأتسأل هل انتهينا من ماض أسود ملطخ بالدم لندخل في مستقبل قلق مشحون بالغضب والصراعات الطائفية؟ كل ما أقوله إن الديرأكبر وأعظم من أن يدخل في السياسة ويلزمنا جميعا مصلحة الوطن قبل الفرد، أيها القارئ