لشهر رمضان مذاق خاص يفتقده كثير ممن عاصروه منذ عقود، وإن بقي لهذا الشهر الفضيل نفس البهجة التي اختلفت معالمها باختلاف الزمن. نعود معاً إلي مصر في أوائل القرن الماضي لنري معاً كيف كان الناس يحتفلون بقدوم رمضان في وقت لم تكن الحياة فيه قد تطورت إلي ما وصلت إليه اليوم. كان الاحتفال الفعلي برمضان في بدايات القرن الماضي يبدأ ببيوت الناس في المساء، نظراً لأنه كان من الصعب علي الصائمين الحديث خلال ساعات النهار. ولكن في الليل كان الأمر ينقلب وتدب الحياة في منازل القاهرة. كانت السهرات في تلك الفترة تتم في مندرة المنزل وهي قاعة فسيحة يجتمع الناس فيها لسماع آيات الذكر الحكيم، حيث كان أصحاب المنازل يتفقون قبل مدة طويلة من شهر رمضان مع المقرئين علي إحياء ليالي رمضان وكانت تلك الليالي الرمضانية البسيطة في المنادر تحظي بإقبال كبير حيث تغص المنادر بالضيوف لسماع آيات القرآن والذكر وتدور عليهم أكواب القرفه والمرطبات لتسليتهم. حتي ثلاثينيات القرن الماضي، كان بعض المشاهير من رجال السياسة يحرصون علي تلك التقاليد القديمة بتلاوة المقرئين للقرآن في ليالي رمضان ومنهم طلعت حرب باشا وغيره من رجال هذا العصر. ربما الذي قضي علي ظاهرة المقرئين في رمضان خلال تلك الفترة هو ظهور الراديو الذي التف الناس حوله بعد أن حل محل هؤلاء المشايخ. كما أختفت أيضاً ظاهرة السهرات الرمضانية في المنادر وانتقلت إلي المقاهي. وكان السبب الرئيسي وراء ذلك هو انتشار وسائل المواصلات الحديثة التي قربت المسافات بين أجزاء القاهرة، فصار الانتقال من مكان لآخر سهلاً بعد أن كان أمراً شاقاً في أواخر القرن التاسع عشر. حافظ المشاهير في مصر علي التقاليد القديمة لشهر رمضان كما ذكرنا ومنهم الأمير محمد علي ولي عهد مصر أثناء حكم فاروق حيث كان يستعين بخمسة من أشهر المقرئين في تلك الفترة لإحياء ليالي رمضان في قصر المنيل وكان يحضر بنفسه تلك الاحتفالات داخل منزله علاوة علي توزيع الصدقات علي الفقراء والأطفال في ليالي رمضان. أما مصطفي النحاس باشا زعيم حزب الوفد فكان يحتفل برمضان من خلال سهرات طويلة يجتمع فيها كثير من رجال حزبه وتدور خلالها مناقشات سياسية وأدبية بين الحاضرين في جو ودي بعيداً عن الرسميات.. وكان للنحاس اسلوب في ولائم الافطار حيث يدعو 30 فردأ يومياً علي التوالي من أعضاء الحزب ثم الهيئة الوفدية ثم نقابة المحامين ثم لجان حزب الوفد وشبابه، كما كان يحرص علي وجود مقرئين يحيون ليالي رمضان في منزله طيلة أيام الشهر.. محمد محمود باشا رئيس وزراء مصر الأسابق كان يحرص هو الآخر علي وجود اثنين من المقرئين لإحياء ليالي رمضان بمنزله. وكان يفضل تناول الإفطار بمنزله بعيداً عن دعوات الأفطار التي تأتيه من رجال السياسة، كما كانت حديثة قصره تتحول طوال شهر رمضان إلي مائدة رحمن كبيرة للفقراء. أما في المساء، حيث يتوافد أصدقاء رئيس الوزراء الأسبق علي منزله، تبدأ السهرة حتي ساعة متأخرة من الليل وتنقضي السهرة في الحديث عن السياسة والأدب والثقافة والفن.. من البيوت الأخري التي عرفت بسهراتها الرمضانية الممتعة بيت آل عبد الرازق ومنهم الشيخ مصطفي عبد الرازق شيخ الأزهرفي النصف الأول من القرن الماضي. وكان منزل آل عبدالرازق