فارق هائل بين أن تنجح ثورة ويصل الثوار إلي السلطة وبين أن تنجح ثورة ويتولي السلطة فضوليون، وهذا هو الحال بين ثورة 23 يوليو وثورة 25 يناير، فعندما قامت الأولي باشر الثوار بأنفسهم سلطة الحكم فأصدروا في فترة لا تتجاوز خمسة أشهر عدة قوانين واتخذوا من الإجراءات والتدابير ما يحمي هذه الثورة مثل قانون الكسب غير المشروع وقانون الإصلاح الزراعي وإلغاء نظام الوقف علي غير الخيرات وأجروا تعديلا علي قانون التموين بفرض التسعير الجبري واتخذوا من التدابير لحماية ثورة يوليو، وكان آخر إجراء تم في نهاية عام 52 هو صدور المرسوم بقانون رقم 344 لسنة 1952 الذي صدر بتاريخ 22 ديسمبر ونشر بالجريدة الرسمية والذي عدل البندين أ و ج بالقانون رقم 173 لسنة 1953 ونشر بالوقائع المصرية في 1953/4/9 بالعدد 30 مكرر وقد صدر هذا القانون بعد أن جري سجال قانوني وفقهي تزعمه أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول الدكتور السيد صبري عندما نشر بجريدة الأهرام سلسلة من المقالات وصل عددها إلي تسع تحمل عنوان الفقه الثوري بدأت في 1952/7/31 وانتهت في 1952/12/23 وتناول فيها التأكيد علي سقوط دستور 23 كنتيجة حتمية لنجاح الثورة كما تناول ضرورة تطهير البلاد ودعا إلي صدور قانون ينظم هذا التطهير ويرتب عقوبات سياسية مستشهدا بما حدث في فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية لمطاردة حكومة فيشي وأنصارها أعداء فرنسا كما تناول ضرورة إعادة سياق الحياة الحزبية بعد تطهيرها والاسراع لإصدار قانون جديد ودور القانون في الفترة الانتقالية للثورة ولازم هذا السجال من الطرف الآخر ثلاث مقالات للأستاذ الدكتور وحيد رأفت وهو من المحافظين في التفكير وقد نال الاهتمام بإصدار قانون لتطهير البلاد من الفساد والفاسدين والمفسدين، وقد ساهم أستاذ في القانون الجنائي بجامعة فؤاد الأول وكان يشغل وظيفة مدرس القانون الجنائي بكلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول وهو الدكتور توفيق الشاوي بوضع الأسس والمبادئ القانونية الحاكمة لهذا التشريع وذلك علي مدي مقالتين تناول فيهما ما ينبغي أن يكون عليه هذا القانون وما أن ينتهي عليه هذا السجال حتي أصدر الثوار القائمون علي السلطة مرسوما بقانون بشأن جريمة الغدر تناول في مادته الأولي المخاطبين بأحكام هذا القانون بدءاً من الوزير - وليس رئيسا كما زعم وادعي كذبا علي الثورة صلاح منتصر في عموده «مجرد رأي» أن المراد بكلمة رئيس كان مصطفي النحاس - لأن النص قد خلي أصلا من وجود كلمة رئيس لكن هذا شأن الكاتب الذي يتحين أي فرصة للنيل من ثورة يوليوإلي أي موظف عام أو كل شخص مكلف بخدمة عامة أو يحمل صفة نيابية عامة ثم حدد القانون بداية تطبيقه وسريانه من أول سبتمبر 1939 بداية الحرب العالمية الثانية وحدد الأفعال المعتبرة، فسادا للحكم أو الحياة السياسية علي النحو الوارد تفصيلا في النصوص المنشورة وتناول في مادته الثانية العقوبات السياسية وليست الجنائية أو التأديبية الواردة تفصيلا في النصوص المنشورة ثم خص المادة الثالثة تشكيل المحكمة المختصة من سبعة أعضاء علي رأسها مستشار من محكمة النقض وعضوية مستشارين من محكمة استئناف القاهرة ويضاف إليهم أربعة ضباط، وهو التعديل المقترح بحذف الضابط من التشكيل وقصر تشكيل المحكمة علي المدنيين، كذلك خول القانون النيابة العامة مباشرة هذه الدعوي أمام المحكمة، وهكذا يتبين جهل الذين يدعون أن هذا القانون قد ألغي لصدور دستور 56 بعد ذلك، فالقاعدة القانونية والدستورية تقضي بأن القوانين تظل سارية وقائمة ومطبقة ما لم تلغ بقانون أو يقضي بعدم دستوريتها وهو ما لم يحدث بل إن الجهل وصل إلي درجة إنكار وجود القانون ذاته كما يبين من العرض أن مسئولية تفعيل هذا القانون وتطبيقه هو النائب العام بحسبانه الأمين علي الدعوي العمومية والمنوط به تنفيذ أحكام هذا القانون وهو بطبيعة الحال لا يستطيع أن يبادر باتخاذ هذا الإجراء إلا بعد موافقة المجلس الأعلي للقوات المسلحة، ولأن المجلس، الأعلي للقوات المسلحة ليس من الثوار الذين قدموا أرواحهم ودماءهم وأيضا ليس شريكا في الثورة وأن دور المجلس في حماية الثورة لم يكن تفضلا من المجلس، بل ضرورة فرضها الدستور عليهم لأن الدستور كان ينص علي أن القوات المسلحة ملك للشعب ولأن الثورة لم يكن لها قيادة قادرة علي اعتلاء السلطة وتوليها إنما الوصف الواقعي والحقيقي لدور المجلس الأعلي للقوات المسلحة هو دور الفضالي الذي يعرفه القانون بأنه هو الشخص الذي يتولي عن قصد القيام بشأن عاجل لحساب شخص آخر دون أن يكون ملزما بذلك ولهذا كان الفارق في الايقاع الزمني والتباطؤ المتعمد الذي جعلنا في النهاية نشعر بالخطورة علي الثورة وعلي أرواح ودماء شهدائها من أن تنتكس وتضيع وهو ما لن نقبل به أبدا.