مصر في أيدي سلطة حالية تزاوج بين عسكرية يمثلها المجلس الأعلي للقوات المسلحة، ومدنية تمثلها وزارة د.عصام شرف، فإذا كان المجلس الأعلي للقوات المسلحة له الرئاسة حتي يأذن الله بأن يكون لمصر رئيس، فإن الفاصل واضح بين هذه الرئاسة وسلطاتها وبين سلطات الوزارة المدنية ورئيسها، ولست أري سبباً مقنعاً يجعل من مصر البلد التائه حاليا، بحيث لا يعرف أحد من يتشاور مع من!، ولا من الذي يقرر الأمور بحيث يستقر البلد علي قرار!، تاهت مصر بين الأيدي التي تحكم!، وأصبح البلد كأن عقابا قد نزل به مؤخراً ما دام قد ثار علي طغاته في 25 يناير حتي يقتنع الشعب بأن الأمان والاستقرار في عهود الطغاة وقد ذهبوا، بديله وبديلهم هو هذه الفوضي العارمة التي لا تجتاح الشوارع فقط، بل الفوضي -فيما أزعم- تجعل ولاة الأمر حاليا في قسمة وانقسام فلا تكاد الأمور عندهم تعرف الحسم والقول الفصل!، وإذا كان في هذا المشهد المحزن ما يجعل شعوراً بالحسرة يسود، فإن هناك في هذا المشهد ما يثير السخرية والاندهاش!، فهذا مؤتمر سموه «مؤتمر الوفاق» أجتمع بسرعة وانفض حشده بذات السرعة!، حتي أن المجلس العسكري قد رأي أن المؤتمر -مع أنه يهدف إلي الوفاق- ما كان له أن ينفض بهذه السرعة حتي لو أعلن الذي أداره ذلك!، أما الأعضاء في المؤتمر ولجانه فقد أعلنوا أن المؤتمر لم يكن بالمستوي المطلوب!، بل أبدي أحد أعضائه غضباً شديداً عليه نافياً أن يكون أعضاؤه موظفين عند رئيسه نائب رئيس الوزراء!، الذي أراد رئيس الوزراء أن يقبل استقالته لعل في ذهابه خيراً!، فإذا بالمجلس العسكري يفاجئنا -ويفاجئ رئيس الوزراء- بأنه ليس من حقه أن يتخلي عن نائبه!، كما أن رئيس الوزراء لا يملك إقالة وزير الداخلية حتي لو اجمعت الناس علي الحاجة إلي بديل!، ويعلن رئيس الوزراء أنه لابد من إقالة حوالي 150 ضابطاً من رجال الشرطة وعزلهم من وظائفهم حتي تهدأ الناس!، وفي حين تنشر الصحيفة المعبرة عن الدولة -كما اعتدنا منها- أن وزير الداخلية شارع في تنفيذ قرار رئيس الوزراء وباقالة المطلوبين، إذا به -وزير الداخلية- تنشر عنه جريدة «المصري اليوم» أنه لن ينفذ القرار!، ولعل الوزير تحسب للمفاجأة التي تنتظره لو نفذ القرار!، فهو لا ينهض علي سند من القانون حيث يعاقب هؤلاء دون أي تهمة ثبتت قانوناً في حقهم!، والناس حائرة تصدق وتكذب من!، أو هي لا تعرف علي وجه الدقة هل وصل «الاجتهاد» بالبعض إلي حد إصدار قرارات تجافي القانون فتجتهد اجتهاداً شخصياً دون أن يكون هناك نص قانوني يسوغ هذا «الاجتهاد»!. والثوار في 25 يناير مازالوا يرون أن الثورة تسرق!، وأن دماء الشهداء سوف تكون هدراًً ما دام رئيس الوزراء يري أن في تعويض أهل الشهداء الكفاية!، والثوار يطلبون عدالة ناجزة بديلاً للعدالة البطيئة التي يعتقدون أنها من باب التواطؤ!، ويعترفون بالفضل للقوات المسلحة حين خرجت تحمي الثورة فلم تتحالف مع السلطة المستبدة!، ولكن الثوار علي وفائهم واعترافهم بهذا الفضل لا يكتمون غضبهم الذي ينفجر يوما بعد يوم وهم يرون رموز الفساد وأتباع السلطة الساقطة يرفلون في نعمة سلطات ما بعد الثورة!، وتصبح صحة الرئيس المخلوع من شواغل هذه السلطة القائمة!، مع أن الناس لا تطلب حاليا سوي طي صفحة هذا الرئيس ورجال دولته وأسرته حتي تتفرغ مصر لتضميد جراحها وترميم شروخها وانهياراتها التي لا تعرف حتي الآن ترميما أو بناء أو تضميدا لجروح تقيحت!، أما السلطات القائمة فهي في الغرف تعقد اجتماعاتها دونما اتفاق بينها ودون أن يقر لها قرار!، وطني تائه بالفعل حيث الناس لا تعرف علي وجه الحقيقة ما يدبر لمصر وإلي أين ينتهي بها المصير!، ويبقي علي أولاد الحلال أن يدلوا الشعب علي