عرفت مصر السيارات منذ عام 1890 وكانت بذلك أول دولة في الشرق وأفريقيا تشهد هذا الابتكار الجديد الذي غير وجه الحياة في شوارع المحروسة. ومع الانتشار السريع للسيارات خلال الربع الأول من القرن العشرين، تطلب ذلك قيام الحكومة بتشكيل كيانات تختص بتنظيم ما يتعلق بالسيارات ويضع القوانين التي تنظم سيرها. وكانت مصر بذلك أولي دول الشرق التي تشهد هذا الأمر. تقرير نادر تنشر "بورصة السيارات" مقتطفات منه للمرة الأولي يكشف الكثير من المعلومات والإحصاءات الخاصة بالسيارات في تلك الفترة حيث غطي كل ما يتعلق بالسيارات في مصر ما بين عامي 1915 و1925. وربما اللافت في هذا التقرير هو تلك الدقة المتناهية في التي اتسم بها القائمون علي أحوال المرور خلال تلك الفترة التي تعد اليوم بمثابة البداية الحقيقية لانتشار السيارات في مصر. ربما المضحك في التقرير الذي صدر في عام 1926 هو مقدمته التي تتحدث عن "السيل العرم" من السيارات الذي يجوب شوارع القاهرة والذي تطلب وجود جهات تنظم المرور وتمنع حوادث التصادم وتعاقب المخالفين وتقوم بتحصيل المخالفات منهم وتحدد مهام القائمين علي تنظيم حركة السير في الشوارع. جاء في التقرير أن ال'مال الخاصة بالمرور في مصر أزدياداً مطرداً خلال تلك الفترة حيث بلغ مجموع المركبات في القطر خلال عام 1926 حوالي 28337 مركبة أما إيراد قلم المرور فطرأت عليه زيادة متماشية مع تلك الزيادة حيث بلغ الأيراد عام 1924 قرابة1540 جنيهاً زادت في عام 1925 إلي 26170 جنيهاً وطرأت عليها زيادة طفيفة في عام 1926 لتبلغ 26720 جنيهاً. ولم يدخل في تلك الإيرادات غرامات السيارات التي تحكم بها المحاكم والتي تدخل إلي إيرادات الدولة. بالطبع ترتب علي زيادة عدد السيارات في مصر زيادة في أعداد المخالفات حيث بلغت 18910 مخالفة في عام 1925 زادت إلي 28617 مخالفة في عام 1926. أما الإنذارات الإدارية والعقوبات التي فرضت علي السائقين في عام 1925 فقد بلغت 19296 نقصت في العام التالي إلي 17850. ويرجع سبب ها النقص إلي الخطة التي اتبعها قلم المرور في تلك الفترة وهي أنه إذا امكن محاكمة المخالف أمام المحكمة يتم تحرير محضر له ويقدم للمحاكمة بدلاً من توقيع عقوبة إدارية عليه. ويبرز التقرير بعض أحوال المرور في تلك الفترة حيث ينقل عن رسل باشا حكمدار العاصمة في تلك الفترة طلباً بزيادة أخري لقوة قلم المرور حيث يقول أنه "لا مناص من ذلك بسبب الزيادة في حركة المرور بالعامصة نتيجة زيادة أعداد السيارات" مضيفا أن القاهرة "تنمو وتتسع وضواحيها آخذة في الامتداد والمركبات فيها يزيد عددها وتكثر سرعتها، فإذا كان ينبغي مراقبة حركة المرور فعلاً فلا بديل عن زيادة قوة الكونستبلات والعساكر." ويقول رسل باشا أنه أراد تقديم الطلبات الخاصة باحتياجات المرور لسنوات ثلاث تالية ولكنه لم يتمكن من ذلك لعدم قدرته الحصول علي خرائط مفصلة لشوارع القاهرة من مصلحة التنظيم." وشير التقرير إلي أن 33% من قوة المرور كانت تؤدي خدماتها من خلال نقاط دورية ثابتة لافتاً الانتباه إلي أن بعض تلك الشوارع طويلة وبعضها كان متروكاً بغير مراقبة وبعضها الأخر لا يقوم بمراقبته إلا أفراد الدوريات الراكبة من خلال المرور عليه بين الحين والأخر علي مدار اليوم. انعدام الرقابة في تلك الفترة يماثل تماماً ما يحدث في يومنا هذا خاصة ظاهرة الصف الثاني التي تقلل من عرض الطريق وتتسبب في الأزمات المرورية بل ويشير رسل باشا إلي أن بعضها كان يتسبب في حوادث مرورية نتيجة لسعي السائقين لتفادي السيارات المركونة في الشوارع. ويقول التقرير أن رجال المرور الذين يمكنهم علاج تلك المشكلة هم رجال السواري فقط الذين يمكنهم السير باستمرار ذهابا إياباً في الشوارع الرئيسية أما ركاب الموتوسيكلات فلا يمكنهم علاج تلك المشكلة لأن تركيزهم في الأساس ينصب علي تسيير دراجاتهم النارية دون حوادث. وينوه التقرير إلي دور السواري الذين يستطيعون مشاهدة ما هو أمامهم عن كثب ، ويستطيعون السير بخيولهم ببطء بقدر ما يكون لازماً. ويمكن تخصيص كل التفاتهم إلي أعمالهم. ويشير هذا التقريرأيضاً إلي أنه في عام 1926، تم البدء في تدريب رجال الشرطة بالأقسام علي المساهمة في أعمال تنظيم المرور ومراقبة حركه السيارات خصوصاً في المناطق التي لا توجد فيها نقاط دوريات مرورية مطلقاً. ويشير رسل باشا إلي أنه لو تم تكليف رجال البوليس بالاقسام بمراقبة الحركة المرورية في الشوارع خاصة في الأحياء الأوروبية بالقاهرة، فإنهم سيستغرقون كل وقتهم في مراقبة المرور، الأمر الذي قد يترتب عليه إهمال عملهم الأصلي وهو حفظ الأمن والنظام ومكافحة الجريمة. لتلك الأسباب طلب حكمدار بوليس مصر من وزارة الداخلية زيادة عدد الكونستبلات وزيادة عساكر السواري بحيث تكون تلك الزيادة كافية لإنشاء 88 نقطة دورية جديدة. وواقع الأمر هو أن حجم أعمال المرور في مصر زاد بشكل كبير خلال العقد الثاني من القرن الماضي وبالتالي اتسع نطاق العمل بشكل هائل الأمر الذي أدي لإنشاء محكمة للسيارات للنظر في المخالفات التي تحدث من قيادة السيارات علي اختلافها وكذا العربات التي تجرها الخيول بأنواعها والموتوسيكلات والدراجات وكافة وسائل النقل الأخري. ويقدم هذا التقرير إحصاء نادر لأعداد السيارات في مصر خلال تلك الفترة. ففي عام 1914 بلغ عدد السيارات الملاكي المسجلة بالقاهرة والأقاليم والتي تصرف رخصها من بوليس مصر 559 سيارة زادت في العام التالي إلي 679 وقلت في عام 1916 إلي 745 سيارة ثم إلي 618 سيارة في عام 1917 ولكنها عادت للزيادة إلي 804 سيارة في عام 1918 ثم وصلت 1092 في عام 1919 وقفزت إلي 1641 سيارة في عام 1920 وواصل العدد الزيادة في عام 1921 فبلغ 1944 ثم حدثت طفرة في عام 1922 حيث بلغ عدد السيارات الخاصة في مصر 2856 سيارة وواصل العدد الارتفاع ليبلغ 3596 سيارة في عام 1923 و4656 سيارة في عام 1924 و7200 في عام 1925 ثم انخفض العدد بشكل كبير في عام 1926 ليبلغ 4725 سيارة. أما عدد سيارات الأجرة فبلغ عددها 97 سيارة فقط في عام 1914 زادت إلي 144 في العام التالي و192 في عام 1916 وقلت إلي 144 في عام 1917 وزادت مرة أخري إلي 192 في عام 1918 و204 في 1919 و277 في عام 1920 و308 في عام 1921 و427 في عام 1922 ثم شهد عدد سيارات التاكسي طفرة في عام 1923 حيث بلغ 1285 سيارة وواصل الصعود إلي 3147 سيارة تاكسي في عام 1924 وزاد العدد قليلاً في عام 1925 ليبلغ 3413 تاكسي ولكنه عاد فانخفض في عام 1926 إلي 1621 تاكسي فقط. الحديث عن تلك الأرقام يطول ولهذا سنواصل نشر هذا التقرير الغني بالأرقام والمعلومات في الأسبوع المقبل