الموت...هذا اللغز المحير والحتمي والذي هو الحقيقة الثابتة فلا هروب منها...(تعددت الأسباب والموت واحد)...هذا المجهول القاسي الذي يفرقنا عن أحبائنا وغوالينا..هذا العبرة التي ألهمنا الله بها لتحد من غرور البشر وتكالبها علي كل ما هو مادي من إغراءات الحياة.. قالوا لي لا تذهبي الي ميدان التحرير أثناء الثورة فهو ذهاب الي الموت فقلت وليأتي الموت وأنا لا أهابه وإن كان قدري أن أموت شهيدة فهذا شرف لي ولم يأتني هذا الشرف. وقالوا لي لا تذهبي الي باكستان فهناك خطر وانفجارت بعد إعلان موت بن لادن في هذه الأرض ولم أبالي بأقاويل من قالوا وركبت الطائرة وقلبي علي يدي وليأتي الموت علي أي حال. كان عليا أن أنزل ترانزيت في مطار البحرين ولمدة أربع ساعات وحين هبطت الطائرة في المطار أحسست فجأة بدوار رهيب وأن قدمي لا تستطيع الوقوف وغبت عن الوعي تماما. لم أشعر بنفسي إلا وأنا نائمة في عيادة مطار البحرين ويمسك بيدي طبيب ليقول لي "حمداً لله علي سلامتك. لقد كنتي في خطر" وتصورت أنني في العالم الآخر فكل ما حولي كان أبيض ناصع ونقي وسرعان ما أدركت أنني مازلت علي الأرض لسماع رنين هاتفي فجاءني صوت ابنتي لتطمئن علي وصولي للبحرين فقلت لها إنني بخير. أعلمني الطبيب أن ضغط الدم عندي كان 220 علي 110 وأنني كنت في خطر شديد وسألني عن السبب العضوي فقلت له أنه ضغط انفعالي يصيبني أحيانا وليس عندي مشاكل عضوية أو أي مرض ولكني شديدة التأثر والانفعال وحين تأكدت أنني أصبحت بخير تعاطيت مرآتي لأعدل مظهري وأخرجت عطري المميز لأنثره حولي لأعود لنفسي سريعا فلست متأهبة للموت الآن. وضحك الطبيب الطيب حتي كاد ينفرط قلبه من شدة الضحك وقال لي "لم أر في حياتي مريضة مثلك حتي وأنت في شدة الخطر وبين الأجهزة كنت تفتحين عينيكي فأري بهما إصرارا وتمسكا بالحياة غير عادي. فقلت له يا عزيزي إن الموت رغم قسوته فهو جبان فإن تحديته ولن تخف منه هرب منك ليعود في وقت آخر..أعلمني الطبيب الطيب أن طائرتي سوف تتأخر ثلاث ساعات ونصحني أن أخضع للنوم والراحة ووعدني انه سيكون رقيبا لي ولموعد طائرتي حتي لا تفوتني. لم أر في حياتي مدينة بهدوء وصمت إسلاماباد. هذا الصمت الذي ينتابك بعد بكاء مرير. كنت أتصور أنني سأسمع صوت الانفجارات وصوت الرصاص وأن الموت سيلحق بي في هذه الأرض البعيدة وأنا أتجول في شوارعها وأسواقها. دعانا بعض الأصدقاء للعشاء في فندق الماريوت في إسلاماباد...هذا الفندق الرائع الذي أبهرني بفخامته (فنادق إسلاماباد من أفخم الفنادق في العالم) وحين هممت بالدخول قال لي أحدهم "ألم تسمعي عن الانفجار الذي دوي في هذا الفندق منذ سنوات ومات فيه 50 شخص؟" فأحسست أن الموت ينتظرنا في الداخل ولكني لم أخف وقضينا سهرة رائعة وكأن الموت رفق بحالي حين رآني في قمة سعادتي. كان علينا أن نستيقذ مبكرا لأننا مدعوون إلي رحلة في قمة الجبل وسيكون هناك مدعوون و احتافل علي شرفي. ركبنا حافلة مخصصة للصعود للجبل ولا أستطيع أن أصور لكم كم كان الطريق واعرا وقاسيا ومميتا حقا فكلما نظرت من شرفة الحافلة ووجدت منحنيات الطريق المحفورة علي حافة الجبل فإذا انعرجت أحد عجلات الحافلة كان السقوط إلي الهاوية وكان كل من في الباص يغني ولا يبالي إلا أنا أترقب الطريق بتوتر وصمت منتظرة الموت الآتي. غفيت دقائق لأستيقظ علي خبر وصولنا وحين فتحت عيني رأيت الجنة بعينها حقا. حتي إنني أحسست بأني في العالم الآخر. بحيرة هادئة تنعكس كل ألوان قوس قزح عليها وورود ليس لها مثيل حتي الأشجار خرافية الشكل واللون وأصوات البلابل ترحب بنا ووسط كل هذا فيلا أنيقة بكل معني الأناقة تعلن الراحة التامة لزوار المكان. قضينا أوقات رائعة في هذه