لا يكفي تفويض مجلس الوزراء لقوات الشرطة في التعامل بحزم مع ظاهرة البلطجة، ولا تكفي جولات وزير الداخلية منصور عيسوي في شارع عبدالعزيز، ولا في غيره من مسارح الدم والفوضي، والتي تحولت إلي ميادين معارك بالرصاص والمولوتوف والسلاح الأبيض، وأثبتت فيها قوات الشرطة عجزها المقيم. لا تكفي المسكنات، ولا قرارات اللحظة، ولا حتي الإحالات السريعة للنيابة العسكرية، والتي تصدر فيها أحكام أسرع، خففت من فداحة ظاهرة البلطجة، ودون أن تقضي عليها. القصة أخطر، والانفلات الأمني أكبر من تداعيات فراغ عابر، واللواء مختار الملا عضو المجلس العسكري قالها بوضوح، واتهم فلول النظام السابق بالوقوف وراء حالة الانفلات الأمني، ولم يبرئ ساحة قيادات في الداخلية نفسها، بدا أن ملكها ضاع، وتريد أن تحرق الأرض بالنار، وأن تنتهي بالمصريين إلي الجحيم، وعلي طريقة «خللي الثورة تنفعكم»، وقد صارت العبارة المأثورة والمعتادة والمحفوظة، يسمعها المواطنون كل يوم من ضباط المباحث في أقسام الشرطة، وليس ثمة من جواب غيرها علي شكاوي مواطنين من حوادث بلطجة وسرقات وقتل عيني عينك. ولأن القصة كذلك، فلا شيء من مسكنات مجلس الوزراء يكفي، ولا من وعود وزير الداخلية المنهك منصور عيسوي، فالرجل رغم احترامنا الشخصي، لايبدو اختياراً ملائماً، تقدم به العمر، وترك الخدمة من زمن طويل، وأحواله الصحية تلزمه بالبقاء في البيت، وليس البقاء الصوري علي رأس وزارة داخلية تتصرف كجيش مهزوم. إذن، فلا السيد عصام شرف رئيس الوزراء مسئول، ولا السيد منصور عيسوي من باب أولي، والمسئولية كلها عند صاحب الأمر، وعند صاحب السلطة الفعلية، وهو المجلس العسكري الذي يحكم مصر الآن، وبسلطة واقعية مطلقة، وبإحلال كامل محل سلطتي التنفيذ والتشريع، نعم يحكم ويدير، ولا يدير فقط، كما ذهب اللواء مختار الملا في تصريحات غريبة منسوبة إليه في الصحف السيارة، وكأنه يريد أن يخلي مسئولية المجلس العسكري الحاكم لا المدير عن القصة وما فيها. وما ينبغي أن يقال لجنرالات المجلس العسكري واضح، فالذي يحكم البلد ولو مؤقتا هو المسئول عن ضمان أمنها ولا يصح التعلل بوجود وزارة داخلية، فقد انهارت وزارة الداخلية، وصارت حطاماً، وتحول ضباطها إلي كومة لحم، وتحلل انضباطها الداخلي، وصارت بعض أجهزتها أوكاراً لضباط الولاء للنظام السابق، خاصة في جهاز الأمن الوطني الجديد، والذي أبقي علي مئات من ضباط «جهاز مباحث أمن الدولة» المنحل شكلياً، وقد كان تنظيما شبه عسكري، ومواليا لجمال مبارك وعصابة التوريث، ومرتبطا بطغمة حبيب العادلي وامتيازاتها، ويقود بالطبيعة حرب الحرائق والبلطجة في مدن مصر وقراها، ويريد أن يستعيد سلطانه، ويستفيد من ضعف شخص وزير الداخلية، وأن يؤدب المصريين علي ثورتهم، ويعاقبهم عليها. ما ينبغي أن يقال لجنرالات المجلس العسكري واضح، وهو أن وزارة الداخلية قد انهارت بالكامل، وهي في وضع يشبه وضع الجيش المصري إثر هزيمة 1967، والمطلوب بالضبط عملية فك وتركيب شامل، المطلوب بالدقة إعادة بناء وزارة الداخلية عقيدة وعتاداً، وإنشاء جهاز شرطي من نقطة الصفر، المطلوب: إحالة كل لواءات وزارة الداخلية لتقاعد مستعجل، وإنهاء خدمة آلاف المتقاعسين أو المتباطئين من جميع الرتب، وتقديم المقصرين لمحاكمات عسكرية عاجلة، واعتقال 42 ألف شخص هم القوام الرئيسي لحزب بلطجية مبارك، والحل الفوري العاجل للمجالس المحلية المزورة، وتكليف جنرال عسكري أو عميد شرطة بإعادة بناء وزارة الداخلية وتولي مهامها. استعادة الأمن والآن هي مربط الفرس ووتد الخيمة، وبدون الأمن لا فرصة لإقالة الاقتصاد من عثرته، ولا لتقدم ذي معني إلي الدستور والانتخابات والديمقراطية. نعم، الاختيار واضح، ولا توجد منطقة وسطي، فإما الثورة وإما الفوضي، إما أن تنتصر الثورة، أو أن تذبح مصر بسيف البلطجة، والجرس معلق، في رقاب جنرالات المجلس العسكري، وفي رقبة المشير طنطاوي بالذات.