تتوالى الدراسات الغذائية الجادة لتؤكد على غنى طعام أهل سواحل البحر الأبيض المتوسط وصحة مكوناته. يدل ارتفاع متوسط أعمار أهل اليونان وإسبانيا وإيطاليا ولبنان وانحسار نسبة الإصابة بأمراض الشرايين لديهم على صحة وتميز غذائهم. آخر تلك الدراسات ما نشر هذا الشهر فى PNAS Journal من نتائج لدراسة نتيجة لجهد بريطانى أمريكى مشترك أشرف عليها معهد أمراض القلب الإنجليزى. تشير الدراسة إلى أهمية تناول أنواع السلاطة التى يدخل فى إعدادها الأوراق الخضراء والخضراوات مع الزيت الأشهر: زيت الزيتون. الزيت الأعلى قدرا بين أقرانه من زيوت الطعام التى عرفها الإنسان. بل هو أول ما عرف الإنسان من مذاق طيب وأثر حميد من الدهون. مازالت الدراسات العلمية تتواتر لتؤكد أنه مصدر الدهن الحميد الذى يحمى الإنسان من أثر الدهون الأخرى المضادة. وأن سمعة غذاء أهل البحر الأبيض المتوسط الطيبة فى مجالات علوم التغذية الحديثة يمكن اختصارها تحت عنوان واحد هو زيت الزيتون! فما هى حكاية تلك الشجرة المباركة التى يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار: الزيتون؟ هناك العديد من أنواع الزيتون التى يعرفها العالم وتنتشر على مساحات واسعة فى إسبانيا وإيطاليا واليونان ومعظم بلاد الشرق الأوسط. تختلف طرق تحضير زيت الزيتون بل يعتبر بعضها سرا يجدر الحفاظ عليه وتوارثه فى العائلات المعروفة فى تلك الحرفة القديمة. عصارة زيت الزيتون الأولى أو البكر هى الأفضل دائما ولها درجتان وفقا للترتيب بكر وأكثر بكارة Virgin and Extravirgin يحضر فيهما الزيت بعصره على البارد أى دون استخدام الحرارة وتقتصر نسبة الحموضة فيه على درجة أقل من 0.8٪. أما درجات ما يوصف من زيت الزيتون بالنقى فهو ما يتم الحصول عليه بعصر الزيتون باستخدام الحرارة وإضافة بعض من المواد الكيماوية إليه. لزيت الزيتون تركيبة فريدة هى الأصل فى فائدته وآثاره الإيجابية على صحة الإنسان. زيوت أحادية غير مشبعة ومواد قوية مضادة للأكسدة وباقة من الفيتامينات. خليط طيب من المواد الطبيعية التى تفيد أينما حلت. زيت الزيتون والقلب والشرايين: يحظى زيت الزيتون بنسبة عالية فى تركيبه من مركبات الفينول إلى جانب الزيوت الأحادية غير المشبعة وهو خليط له أثر على صحة وسلامة الشرايين سواء التاجية فى القلب أو شرايين المخ. يعمل زيت الزيتون على حماية الشرايين من الترسيبات المستمرة لذرات الكوليسترول الردىء "الخفيف" ويعلو بنسبة الكوليسترول الحميد "الثقيل". لزيت الزيتون أثر يكافح فعل الالتهاب وهو أول حدث يتم فى جدران الشرايين قبل أن يترسب فيها الكوليسترول الردىء. يماثل ذلك الأثر فعل الأسبرين الذى ينصح الأطباء أن يتناوله بصورة دائمة مرضى شرايين القلب التاجي. لمركبات الفينول فى زيت الزيتون أثر موسع للشرايين إذا ضاقت لسبب أو لآخر "ترسب الكوليسترول على جدرانها أو تقلصها" من خلال أثر أوكسيد النيترات. يماثل هذا الأثر فعل مركبات النيترات الشهيرة التى يتناولها مرضى القلب والشرايين. يعمل زيت الزيتون على الهبوط بالمعدلات المتوسطة من ارتفاع ضغط الدم. لمركبات الفينول.. أثر مضاد لتجلط الدم داعم لسيولته من خلال مقاومته لتجمع الصفائح الدموية والتصاقها بعضها بالبعض لتسد مجرى الدم فى الشريان محدثة الجلطة وما يتبعها من تداعيات. هل لزيت الزيتون دور فى درء أخطار السرطان؟ تناولت دراسات طبية مهمة العلاقة بين زيت الزيتون وما به من مربكات الفينول والوقاية من السرطان ومازالت الدراسات الجادة تشير إلى قدرة مركبات الفينول فى زيت الزيتون على محاصرة نشاط الخلايا السرطانية فى أنواع مختلفة. منها أثر مركبات الفينول على عملية برمجة موت خلايا سرطان الدم. Human Promyelocytic Cell ومدى تميزها واكتمال نموها. proliferation and differentiation. من المعروف أن الخلايا تولد وبها شفرة تحدد موعد موتها وفقا لقانون مازال غائبا وإن كان حضوره واضحا فى سلوكها ظاهرا فى كل تفاعلاتها Apoptosis لذا فمتوسط أعمار الخلايا معروف وفقا للدور المرسوم لها فى الأحوال الطبيعية. فى حالة السرطان فإن الخلايا تتمرد على قانون الطبيعة وتنطلق فى التكاثر بسرعة مجنونة لتدمر ما حولها من خلايا وتغزو الأنسجة على اختلاف أنواعها ووظائفها. لمركبات الفينول القدرة على كبح جماح تلك الخلايا الفوضوية وإخضاعها لقانون الموت الطبيعى متى توافرت بصورة تضمن لها مقاليد القوة. انخفاض معدلات سرطانات القولون بين سكان منطقة البحر الأبيض المتوسط فى مقابل ارتفاعها بين سكان شمال أوروبا لفتت نظر العلم والعلماء أيضا لنوعية ما يتناوله هؤلاء من طعام. جاء زيت الزيتون على رأس قائمة الطعام الصحى الذى يحرص عليه أهل تلك البلاد إلى جانب الأسماك والخضراوات والفواكه الطازجة والحبوب الكاملة ومنتجات الألبان. من أهم الدراسات المعروفة أيضا تلك التى تتحدث عن دور قوى لزيت الزيتون وما به من حمض دهنى «حمض الأوليك» فى الوقاية من سرطان الثدى. يتحدث العلم أيضا عن دور فاعل لزيت الزيتون فى دعم عمل علاجات السرطان الدوائية والإشعاعية يجعل من وجوده على المائدة أمرا مهما إلى جانب مذاقه الطيب. زيت يقاوم الألم ويدعم العظام: لزيت الزيتون أثر ملطف للألم يماثل فى فعله مفعول الأدوية المخففة للألم والمضادة للالتهابات كالأسبرين والبروفين. يرجع ذلك الأثر لوجود إنزيم فعال فى تركيبة زيت الزيتون Oleocanthal له أثر فى مقاومة التفاعلات الحيوية التى ينشأ عنها الالتهاب. وهو فعل له أثره الذى ينسحب على تداعيات كثيرة تنشأ من حدوث الالتهاب كبداية لأمراض قاسية مزمنة مثل أمراض شرايين القلب والمخ التى قد تتطور إلى تدهور قدرات الإنسان الذهنية ومرض الألزهايمر. منها أيضا أنواع السرطانات المختلفة. أثر زيت الزيتون يبدأ مع بدايات الالتهاب لذا لنا أن نعتبره عنصرا مهما فعالا فى الحماية من تلك الأمراض المزمنة. مازالت علاقة زيت الزيتون بالحماية من أمراض هشاشة العظام قيد البحث لكن ما أعلن عنه حتى الآن يشير إلى وجود علاقة قوية بين مضادات الأكسدة القوية فى مركبات الفينول ودورها فى حماية العظام من أمراض ترقق العظام.