يصطنع البعض هذه الأيام بهجة بعد أن عزت البهجة!، يقولون لك إن محلات «عمر افندي» الشهيرة باسمها فقط قد عادت إلي وطنها الأم علي يد مستثمر مصري!، كأن هؤلاء كانوا في حزن مقيم يوم بيعت المحلات الشهيرة بفروعها في طول البلاد وعرضها إلي «القنبيط» السعودي!، مع أن الجميع لا يتذكر أن أحدا قد أقام مأتما عندما حدث ذلك من سنوات!، ولم يكن بيع المحلات إلي السعودي جحوداً منا أو نكرانا لعشرة طويلة بين المصريين وهذه المحلات التي كانت علامة علي أسعار متهاودة وموثوق ببضائعها طيلة قرن تقريباً!، وإنما استقبل أهل مصر بيع المحلات بغير أسف يذكر!، فقد بيع قبلها- وبعدها- أعز منها بكثير علينا دون أن يلقي هذا أي مناقشة تذكر!، وفي حالة «عمر افندي» فإن الذين عاشوا أعمارهم يتعاملون مع هذه المحلات قد تأكدوا قبل بيعها بسنوات أنها لم تعد لها غير الاسم فقط!، فقد خلت المحلات رويدا رويدا من البضائع ليقف فيها الباعة ينفضون الغبار عما تبقي من بضاعة راكدة، ولم يكن الباعة يخفون أن حالة المحلات هي حالة استعداد للتفريط فيها بالبيع ، رغم أنهم يعرفون أن المحلات لا تخسر، ولكن تعمد هدف البيع كان تعبيرا عن ضيق الحكومة بأن تدير أي شيء مهما كان نجاحاً!، لكن الحكومة ادعت أنها تريد التفرغ لما هو أهم، قبض الفلوس بعدالبيع بأي سعر، ثم جباية الأموال من الناس دون أن تسعي الحكومة لانتاج أي شيء. وكان المشتري السعودي يعرف قيمة الغنيمة التي اشتراها، وكان من حقه أن يفعل بها وبعمالها ما يشاء!، وداخل بعض المحلات في مواقعها المتميز ذهبت بعض مساحاتها إلي من أراد بالايجار!، وبدأت المحلات تفسح المحال أمام أنشطة مختلفة تماما عما كان لعمر أفندي من نشاط، لكن المحلات وصاحبها ظلت محور هم ثقيل ليس لمن اشتراها، وإنما للذين باعوها وظنوا أن الصفحة طويت!، وكان للمشتري الكثير من الآراء المعبرة عن حريته في أن يفعل ما يشاء!، ما دام قد اشتري والتزم بالوفاء بالثمن، أما العمال الذين قضوا سنوات أعمارهم في العمل بالمحلات فقد كان عليهم أن يتخلوا عن أماكنهم بمعاش مبكر أو تعويضات تفسح المجال أمام عمالة جديدة أرخص!، وباعداد أقل مما كانت العمالة في المحلات عليه!، وبدأت المشاكل تثور، والاحتجاجات تتوالي، وانتشرت الحكايات التي تثير الشكوك حول صفقة عمر افندي، ولاحت نذر متشائمة حول قرب اللجوء إلي المحاكم والتحكيم!، وتظاهرت الحكومة بأنها قد اكتشفت أن المستثمر لم يف بوعوده وعهوده!، وأن حقوقنا لن تضيع مهما تقادم العمر علي ضياعها. حتي ظهر لنا المستثمر المصري المنقذ الذي أبدي استعداده لشراء الشروة بكل مالها وما عليها!، وخرج البعض علينا يهلل ها هي عمر أفندي رجعت لينا ومصر اليوم في عيد!، مع أن عودة عمر افندي إلي أحضان الوطن الأم لا تعني أحدا من المصريين!، فهذه المحلات لم تعد للمصريين كما تعودوا عليها!، وقد فاجأتهما من سنوات بانها لم تعد لهم!، فقد خلت من البضاعة!، وعندما حلت بضاعة غيرها بعد صفقة بيعها فوجئوا بأنها قد خصصت لمشترين ليسوا من عامة المصريين!، بل المحلات عازمة علي بيع أرخص المستوردات عناية بأذواق الانيقات!، وخلت المحلات إلا من القلة التي تدخل للفرجة والمعاينة ثم تخرج بلا شراء!، ولا يظن أحد ممن يحملون بعض الوفاء لعمر افندي أن يتوقع عودة المحلات إلي سابق عهدها في خدمة المواطن البسيط!، فقد حل عليها وتترقب زبونا آخر!.