· الشيخ الشعراوي قال لأهل التصوف: طالما قال موسي للعبد الصالح هذا فراق بيني وبينك فلن يلتقي أهل الحقيقة وأهل الشريعة وسيظل الخلاف قائما بعد الأحداث التي تجري علي الساحة اجدني بين الصوفية وبعضهم فالصوفية هم هؤلاء الرجال المخلصون لربهم والمنكرون لذاتهم ، الذين لاتلهيهم تجارة ولا بيع ، ولا مناصب عن ذكر الله .. يبتغون في كل ثانية فضلا من الله ورضوانا .. تجدهم في الدنيا بأجسادهم ، ولكن أرواحهم معلقة تهيم في كل واد بحب الله ورسوله ، وآل بيته وصحابته والتابعين والسلف الصالح .. هؤلاء الرجال الذين رضي الله عنهم .. ورضوا هم عن حبهم به .. إنهم الذين أتاهم الله من فضله «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء». بالتأكيد في عصرنا هذا وأيامنا هذه تنبعث الروائح الكريهة .. والدخان الخانق الذي نعيشه من الظلم والفساد والاستبداد .. والاحتكار والغش ، والمعاصي والذنوب والآثام .. وهتك الأعراض .. وسفك الدماء .. وأصابنا جميعا حتي ظن الناس أن الرجال المحترمين من أهل الصفا والتصوف قد أصابهم غبار العصر وفساده .. و الذي أقول للجميع إن هذا غير صحيح .. فالذي يعمل لله وهو مؤمن لايخاف ظلما ، ولا هضما .. وإن كان النار والدخان قد أصاب الجميع .. إلا أن هؤلاء الرجال الذين اختصهم الله برحمته وفضله .. لم يمسسهم سوء المناخ العام والخاص .. وهم علي عهدهم ووعدهم مع الله مرتبطون .. ذلك بأن قلوبهم وأرواحهم متعلقة بربهم .. وإن كانوا يعيشون بيننا بأجسادهم ، يأكلون كما نأكل «من الحلال» .. ويعملون كما نعمل في كافة أشغال الدنيا .. ولكنهم مشغولون بالآخرة أكثر من شغلهم بالدنيا .. ولايري أحد ذلك ولايشعر الناس بما هم فيه من نعمة القرب من الله .. والزهد في الدنيا ، فلا يشغلهم منصب ، ولا جاه ولا سلطان ، ولا مال ، ولا نساء ، ولا النجوم الآفلة من أهل الدنيا .. حتي وإن كانت ملكة نجوم جمال الأرض .. فهم يرونها بمنظار آخر .. يرونها أقبح أهل الأرض .. ذلك بأن فلتر العيون التي يرون بها .. وتمر علي القلوب .. لاتسمح بمرور مشاهد أهل الدنيا .. فهم يرونها بمنظار آخر .. ولاتحرك فيهم مثقال ذرة من شهوة ، أو استحسان .. أو وجد أو نزوع كل ذلك هم عنه مبعدون .. بالتأكيد سوف يختلف معي من يختلف .. وهذا أمر وارد .. فالمنكرون لأهل القرب والود والمحبة .. زاد عددهم هذه الأيام .. مع أنهم موجودون في كل زمان .. وسبق أن اختلفوا مع أعمامنا من أهل الفضل .. وأجدادنا من أصحاب المذاهب .. وهذا وارد .. وأذكر مادار بين فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رضي الله عنه .. وجماعة من الصوفية البرهانية .. أو .. البرهامية .. كلاهما واحد .. عندما طلبوا مني زيارته واستأذنت فضيلته بزيارتهم .. وبعد الواجب قال لهم مقولة مشهورة : إن العبد الصالح الخضر عليه السلام قال لموسي: هذا فراق بيني وبينك .. ومعني ذلك أن أهل الشريعة لن يتفقوا مع أهل الحقيقة مادامت السماوات والأرض .. مع العلم بأن أهل الحقيقة لم يتحققوا إلا بعد أن يتشرعوا .. بمعني لايكون الصوفي صوفيا إلا إذا درس علوم الشريعة .. ولذلك قال أعمامنا من لم يتشرع فليس منا .. ومن ثم فإن الصوفي الحق وليس المدعي .. لاينكر الشريعة .. ولاينكر المغالين في أمور الدين .. ويعلم أن كلا سخر لما خلق له .. وأن أهل الشريعة عليهم رسالة يؤدونها ، بينما أهل الحقيقة .. الذين مالوا للجانب الروحي .. يجمعون بين الحسنيين: الشريعة والحقيقة بينما أهل الشريعة لايعترفون بالحقيقة وهي الجانب الروحي .. وهم بذلك محرومون من متاع كثير أنعم الله به علي الطائفة المتصوفة. التصوف الحالي أرجع إلي أحوال أهل الحقيقة .. أو الصوفية في عصرنا هذا .. وأجد أن لبسا قد حدث واختلطت فيه أمور الدين بالدنيا .. وانحرف رجال التصوف به إلي ركن بعيد .. لايأوي من ارتكن إليه .. فتحول إلي مكاسب ومناصب وصراعات وخزعبلات وشعوذة وادعاءات كاذبة .. أقول ذلك وأفوض أمري إلي الله .. ذلك بأنني حزين علي ذلك المذهب الجميل .. والذي قالوا عنه : «نحن في لذة لو علمها الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف» .. وأجد أن الدولة مشكورة .. قد قامت بإنشاء مجلس أعلي للطرق الصوفية .. من شأنه الاهتمام بالصوفية .. وإن كنت أجد أن في هذا التشكيل نوعا من سيطرة الدولة علي هؤلاء الرجال .. ويزداد هذا الأمر بأحداث الآن .. فقد تحول المجلس الأعلي للطرق الصوفية إلي مايشبه الأحزاب السياسية والأندية الرياضية .. وبدأ الصراع علي رئاسة المجلس وذهب الأعضاء إلي شيع وفرق وأحزاب .. هذا مع الشيخ الفلاني ، وآخر مع الشيخ العلاني .. وتحولنا إلي الأهلي والزمالك .. أو جبهة فلان وعلان .. وأري أن المناخ العام وصل إلي المشايخ .. والمفروض ألا يصل إليهم .. فإذا كان الآخرون الذين أصابهم مناخ الفساد طلاب دنيا .. فيجب ألا يصل إلي معشر الصوفية لأن الدنيا تحت أقدامهم وليست فوق رؤوسهم .. فلا تشغلهم بمكاسبها ومناصبها .. وإلا ما الفرق بينهم وبين غيرهم .. إنهم رجال طلقوا الدنيا ثلاثا .. ولعلنا قرأنا في سيرة السلف الصالح أن سيدنا سليمان بن داود عليهما السلام .. كانت تحمله غمامة فوق السحاب .. فنظر فلاح في الأرض «يابختك يا ابن داود» .. فنقل الله إليه مادار في قلبه فأمر الغمامة أن تهبط به إلي الأرض فنظر إلي الفلاح وقال مقولة شهيرة «يا هذا والله لتسبيحة تخرج من القلب لله خير مما أوتي سليمان» .. فكيف بنا ونحن المفروض معشر الصوفية من المسبحين ننظر إلي الدنيا وأهلها .. ونتصارع علي من يقود السفينة إن كانت هناك سفينة أصلا .. بل بقايا سفينة .. لأن التصوف ترك لكل من هب ودب وادعي ونصب وقال : أنا شيخ لكم .. وترك التصوف لهؤلاء يعبثون فيه كما يعبث الطفل في كوب اللبن الصافي .. فإما يلقي فيه ترابا أو يلقيه علي الأرض .. أو يترك الذباب يتساقط فيه .. حتي أخرج اللبن الحليب الصافي مما فيه من أفضال الله وكماله .. وأري أن نتاج التصوف الحالي وصل إلي القمة .. ولو كانت الجذور سليمة من المنبع لما وصلنا إلي ما نحن فيه نتباري علي كرسي غير دائم كما يتصارع أهل السياسة والفن .. والدنيا علي كراسي المنصب لينالوا منه لدنياهم وليس لدينهم .. أروني بالله عليكم : هل تصارع أهل الفضل من أعمامنا السابقين إلي رئاسة ..؟!.. أم كانوا يهربون منها ..؟!.. بل كان الشيوخ إذا أتي إليهم مريد تربي علي يد شيخ آخر .. يكتشفون ذلك بفضل الله ويقولون : إرجع إلي شيخك .. ولنا الأسوة في جدي وسيدي ومولاي أبوالحسن الشاذلي فقد تربي علي يد العارف بالله الشيخ عبدالسلام بن بشيش بالمغرب .. وانتظر أن يفتح الله عليه ولما طال الانتظار سمع عن شيخ في العراق من العارفين فترك شيخه في المغرب ورحل إلي العراق .. ليس بطائرة .. أو باخرة كما نحن الآن بل هائما علي وجهه في سبيل الله قاطعا آلاف الكيلو مترات .. وما إن وصل إلي الشيخ في العراق .. وقبل أن يستريح من عناء السفر .. نظر إليه الشيخ العراقي وقال له : عد إلي شيخك عبدالسلام بن بشيش وأقرأه مني السلام وسوف يفتح الله عليك علي يديه فعاد مرة أخري .. وفتح الله عليه فتوحا عظيما كما تعلمون. ولنا بقية