دائما يراودني حلم لغة الحوار الهادئ بين الرجل والمرأة، بينما كنت مارة في طريقي للمنزل وعلي كورنيش المعادي.السيارات تسير ببطءٍ شديد وهالني ما شاهدته.. شابة في الخامسة والعشرين من عمرها ترتدي حجاباً أنيقا وهي غاية في الجمال والرقة تقف مع شاب في الثالثة والثلاثين تقريباً، يبدو لي أنه خطيبها أو حتي أخيها وفجأة رفع الشاب ذراعه اليمني وبكل قوته صفع الفتاة علي وجهها !! هكذا.. في عرض الطريق.. أمام أعين الناس غير مبالٍ باحترام آداب الطريق .. ولا مشاعر البنت حين التفتت حولها يميناً ويساراً كي تتأكد أن أحداً لم يرها ثم ورائها لتجدني أقف في ذهول تام ولا تقوي قدماي علي مواصلة الحركة، بينما عيناها تملأها دموع غاية في الطيبة والضعف .. حاولت أن أتحدث معهما لو أن هنالك أي مشكلة أوأناقشه حتي برفق فيما فعل ويعلم أن قوة الرجل ميزه الله بها كي تحمي الضعيف لا تصبح مصدر إهانته، توقف عندي النطق أيضاً حين أخفت البنت وجهها بيدها خجلاً وسارت بجانبه في هدوء تام .. لكنها تركتني أعاني شعورها بالإهانة والظلم والضعف ..وبُغضي لهذا الرجل الضعيف الذي يحتمي بذراعه أمام كائن أضعف في البنيان ..منذ نعومة أظفار الولد يتعلم المسلسل المريض الأب يضرب الأم فبالتالي عليه أن يضرب أخته لأنه رجل إلي أن يتزوج ويمارس نفس العنف مع الزوجة ولن أتحدث عن الاحصاءات التي تبرز عنف الرجل ضد المرأة و لن ارتكن كعادتي علي الحالة الاقتصادية التي تقسم ظهور الناس وما يمكن أن تسببه في سلوكياتهم .. بل يشغلني جداً العنف بين الناس بشكل عام .. ولما صمتت هذه الفتاة ؟ وهل اعتادت الفتاة المصرية علي المهانة والصمت أمام غطرسة الرجال ؟ وأين القوانين الرادعة لمثل هذا الرجل الفظ مهما كانت صلة القرابة بينهما ؟ وإذا كانت هنالك قوانين لآداب المرور فمن باب أولي ماذا عن قوانين آداب الطريق وتهذيب السلوك طالما أصبحنا أناسا نخشي القوانين ولا تحكمنا أخلاقيات إنسانية ؟! وما مصير هذه اليد الجبانة التي صفعت امرأة في الشارع إذا ارتدت يدها بصفعة مماثلة علي وجهه الغبي الأحمق ؟ تُري ما شعور الرجل حين يصفع امرأة ولو في المنزل ؟ هل يشعر بقوته المفقودة مع الآخرين ؟ يبدو أن الرجل الشرقي لم تعد ترهبه القوانين ولا أن يقتدي برسول الله - صلي الله عليه وسلم - في معاملة المرأة .. ولا يردعه الخُلق الطيب .. الرجل العنيف لا يرجعه إلا العنف .. فماذا يفعل إذا كان يعلم أن المرأة التي سيصفعها تلعب كاراتيه مثلاً.وأن مصير يده التي ستُرفع عليها هو الكسر .. مؤكد سيفكر ألف مرة قبل هذا التهور الذي ساد المجتمع .. تذكرت مع هذه الواقعة بطلة الكاراتيه المصرية "هدي هداية " وكانت ضيفة أحد البرامج التليفزيونية منذ فترة وحكت ما حدث لها في شارع قصر النيل حين حاول شخص مضايقتها فصمتت كثيراً إلي أن تطاول فعلم أنها تلعب الكاراتيه حين أخذ درساً لن ينساه .. إذن ما باليد حيلة .. علي كل امرأة أو فتاة يضايقها عنف الرجل في المنزل أو الشارع .. أن تتعلم لعبة عنيفة للدفاع عن نفسها ..تتعلم لعبة رياضية تحافظ بها علي رشاقتها وصحتها وأمنها أيضاً .. كي يفكر الرجل مرات ومرات قبل تهوره المعتاد إلي أن تجد جمعيات حقوق الإنسان والعنف ضد المرأة مخرجاً .. طالما أن لغة الحوار الهادئ لا يفهمها الرجال.الواقعة مهداة إلي الدكتورة مشيرة خطاب وزيرة الأسرة والسكان