كنت في طريقي إلي أحد المتاجر لشراء بعض احتياجاتي.. وعندما وصلت إلي مدخل الشارع الموجود به المتجر .. وجدت شابا يجلس علي كرسي وفي يده كوب من الشاي وبيده الأخري سيجارة مشتعلة.. الشاب كان يجلس في منتصف الشارع ووضع علي اليمين وعلي اليسار قطعتي خشب تسدان الشارع!! وأشار إلي بعدم الدخول وعندما سألته عن السبب قال باقتضاب: حالة وفاة!.. استسلمت للأمر ودخلت إلي شارع آخر ووجدته مزدحما بالسيارات التي تراصت علي جانبيه! ولفت نظري أن بعض العمارات أمامها حواجز أشبه بالمتاريس وضعها أصحابها وثبتوها في نهر الشارع لمنع انتظار السيارات! وحسب علمي فإن هذه الحواجز لا توضع إلا أمام السفارات والبنوك والاماكن الحساسة لأسباب أمنية! ولكن يبدو أن بعض أصحاب العمارات تخيل أن هذه التعليمات الأمنية صدرت لصالحه وتعدي علي نهر الشارع! وقلت لنفسي «ابتسم أنت في مصر.. بلد اللي في نفسه حاجة يعملها».. بعدما يقرب من نصف الساعة لف ودوران وجدت مكانا لركن سيارتي!دخلت إلي المتجر الشهير وتجولت بين أقسامه.. ولفت نظري أن قسم الاليكترونيات معلق عليه لافتة مكتوب عليها «البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل»!.. ولما كنت أعلم أن تعليمات وزارة التجارة والصناعة وجهاز حماية المستهلك تؤكد علي حق المشتري في ارجاع البضاعة واستبدالها بأخري في فترة زمنية معينة.. فقد توجهت إلي أحد العاملين بالمتجر للاستفسار عن سبب وجود هذه اللافتة.. فقال لي انها تعليمات الشركة المنتجة أو الموردة لهذه السلعة الهامة!.. قلت لنفسي ما دامت الشركة المنتجة أو الموردة قد اشترطت وضع عبارة «البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل» فهذا يعني أنها تعلم علم اليقين أن هذه البضاعة بها عيوب ! صحيح انها لم تغش المستهلك واخلت مسئوليتها والمستهلك حر يشتري أو يمتنع عن الشراء! ولكن كيف تسمح شركة منتجة أو مستوردة وكيف يسمح القائمون علي هذا المتجر الشهير بعرض سلعة غير مطابقة للمواصفات حتي لو كانت بنسبة واحد في المائة .. إلا إذا كانوا يعلمون أنهم في مصر «بلد اللي نفسه في حاجة يعملها».. خرجت من المتجروعندما وصلت إلي سيارتي وجدت مساحات المطر مرفوعة!.. ارجعت المساحات إلي مكانها.. وعندما بدأت في إدارة محرك السيارة للمغادرة .. انشقت الارض عن شخص عريض المنكبين يمسك بيده فوطة صفراء وتقمص دور المرشد وبمجرد حصوله علي «اللحلوح»! يعني الجنيه.. تركني وانصرف! وطبعا هذا الشخص وأمثاله لا تراهم أبدا وأنت تركن سيارتك.. وتراهم دائما وأنت تغادر!.. انطلقت بسيارتي وبينما أنا مستغرق في تأمل ما يحدث.. توقفت فجأة السيارة الميكروباص التي تسير أمامي! ولولا ستر الله والسير ببطء في شارع الهرم لاصطدمت بها من الخلف! الباشا السائق توقف فجأة وبدون سابق انذار أو اشارات انتظار في وسط الشارع لينزل راكب ويصعد آخر غير مكترث باحتجاجي والسيارات التي توقفت خلفِي تطلق أبواقها ومعها لعنات سائقيها علي سلوك السائق وبروده وعدم اكتراثه واحترامه لأبسط قواعد المرور ! ولم يتحرك السائق إلا بعد أن فرغ من عملية هبوط وصعود الركاب! وطبعا هو يعلم تماما أنه لن يحاسبه أحد ما دام يدفع المعلوم! ومرة أخري وجدتني أقول «ابتسم أنت في مصر.. واللي يقدر علي حاجة يعملها» وصلت إلي منزلي وجدت ابنتي آخر العنقود والتلميذة في الصف الثالث الاعدادي بإحدي مدارس اللغات بالجيزة قد عادت لتوها من مدرستها وعندما سألتها هل تسلمت الكتب المدرسية كما وعد السيد وزير التربية والتعليم بأن الكتب المدرسية سوف تكون في المدارس في الاسبوع الأول للدراسة علي أقصي تقدير! أخبرتني ابنتي أن كتب العلوم والرياضيات لم تصل بعد إلي المدرسة! يعني باختصار الكتب المدرسية غير موجودة..والكتب الخارجية يتم القبض علي من يطرحها في الاسواق.. إذن الامور كلها لا فرق فيها بين مواطن يجلس في منتصف الشارع يمنع المرور أو من استباح لنفسه وضع الحواجز والمتاريس وبين من امتلك الشارع بوضع اليد أو السائق الذي يعلم أنه لن يحاسب والوزير الذي يفعل ما يريد! يعني باختصار إن كنت تريد أن تعيش وتحيا في عصر «عز» أن تصبر ولا تنهار حتي يكتمل ال«هلال» ليمسي «بدرا» واجعل منها تعاويذ تقيك شر الحسد والاشرار! وإن كنت لا أدري إلي أي طريق ستؤدي بك! فطريقك مسدود.. مسدود ياولدي.. فإما الصبر وإما الانتحار!! نجاح الصاوي