هذا الاستفتاء فى حقيقة الأمر له وجهان، الأول سلبى والثانى ايجابي، دون أن ننجرف لموجة المديح المتعصبة التى لا تقبل، نقدا، أو ملاحظة. أما الوجه السلبي، فيتمثل فى صغر حجم المعارضة التى تعمل تحت مظلة الدولة، وهذا أمر لا يقبله المنطق الديمقراطي، ولا يقبله المنطق السوي، لأن الديمقراطية لابد لها من معارضة، ولأن الدين أى دين لا يؤمن به من فى الأرض جميعا، والأمر ينساق إلى الايمان بالله تعالي، فليس هناك إجماع أو نسبة تتجاوز ال 90% عليه فى أى مكان على وجه الارض. أما الوجه الإيجابى فيتمثل فى شقين، الشق الأول يكمن فى حالة الفرحة والسعادة، التى انتابت المواطنين أثناء الإدلاء بأصواتهم، وهو أمر تحول إلى كرنفال، أشبه بتلك التى تقام فى أمريكا اللاتينية، فيخرج الشعب فى موعد الكرنفال، يرقص ويغنى فى الشوارع، وهو ما يعنى أن المصريين مازال فى قلوبهم مساحة ليست قليلة من الأمل تسكنها. الشق الثانى أن أعداد المشاركين فى الاستفتاء، سواء من وافقوا على الدستور أو رفضوه، تعكس بوضوح، الرضا الواسع عما جرى فى 3 يوليو الماضى، والرغبة الكبيرة فى إزاحة نظام، هم من أوجدوه وهم أيضا من أطاحوا به، حتى تدخل الجيش تارة لتوصيل الحكم إلى مكتب الإرشاد، وتارة ثانية لسحبه منه ووضعه فى يد قوى أخرى، فهو دليل على أن الجيش والأغلبية يسيران فى نفس الاتجاه، بغض النظر عن صناعة هذه الأغلبية أو دفعها فى اتجاه معين. لكن الأخطر فى هذا الأمر، أن الاعلام تعاظم دوره فى السيطرة على الأغلبية وصناعة الرأى العام، حتى ولو كان هذه المرة على نفس هوى قطاع كبير للغاية من المصريين. القراءة الأولية فى نتائج عملية الاستفتاء، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أكثر من أمر: الأول: أن قطاعا جديدا من المواطنين دخلوا اللعبة الديمقراطية لأول مرة، بعد خمسة استحقاقات انتخابية ماضية، وهو ما يعنى أنه رغم أن قطاعا كبيرا من الشارع قد بدل اختياراته من «بتوع ربنا» الى «بتوع الجيش»، إلا أن قطاعا ليس بالهين قرر خوض التجربة لإيمانه هذه المرة أن البلاد إما انها كانت ستذهب إلى الهاوية، وإما أنه آمن أن ناصرا جديدا جاء مخلصا، مهما كان شكل وهيئة وطبيعة هذا الناصر الجديد، يستوى هنا مبارك بالسادات بعبدالناصر نفسه». الثاني: صحيح أن الأعداد التى نزلت وشاركت فى الاستفتاء والتى فاقت الأرقام التى شاركت فيما قبل فى الاستحقاقات الانتخابية الماضية، ومنحت السلطة القائمة الآن صكا جديدا للشرعية الدستورية والقانونية، إلا انها فى ذات الوقت منحت نفسها قدرة على الصمود فى مواجهة التحديات المقبلة. الثالث: أن إدخال منظومة التصويت الإلكترونى بشكل محدود فى بعض اللجان ، واجراء تعديلات على قانون مباشرة الحقوق السياسية، وتشديد العقوبات على المزورين، يؤكد أن الرغبة فى إجراء انتخابات نزيهة، باتت تسكن عقول القائمين على السلطة، وأن طريق التزوير نهايته فادحة، مهما طال الامر، فضلا عن أن الأمر لم يعد بالإمكان إطالته عن ذى قبل، والدليل سقوط حكم الإخوان السائر على هدى نظام مبارك بعد سنة واحدة رغم أن بديله ومرشده السياسى ظل ثلاثين عاما فوق الكرسي. الرابع: أن ما جرى مع حمدين صباحى مؤسس التيار الشعبي، وغيره من المواطنين، قد كشف عن لعبة فى منتهى الدهاء والمكر، قد لعبها نظام الاخوان، وهى عملية التصويت بالبريد، وفق قواعد غير آمنة، وهو ما أعطى تخوفا له أسانيده، أن عمليات التصويت بالبريد والتى جرت على نطاق واسع للغاية تجاوزت ثلث التصويت للمصريين بالخارج، والتى جاءت أغلبيتها الكاسحة لصالح حكم الاخوان، شابها العبث. هذا الأمر فسر أيضا إصرار الإخوان على إعلان نتائج المصريين بالخارج قبل بداية الاستحقاق الانتخابى الداخلي، رغبة فى التأثير الذى ضمنوه فى جيوبهم، وفى صالحهم. الخامس: سيقع أى مراقب فى حيرة البحث عن الأعداد الحقيقية لما يسمى بتحالف الشرعية، التى سقط الاسم عن ذلك التكتل بإعلان نتيجة الاستفتاء الأخير. فإذا كانت نسبة المشاركة بلغت ما يقرب من 37 فى المائة أى أكثر من ثلث عدد الهيئة الناخبة، بما يتجاوز رقم 20 مليون ناخب، فما هو عدد تلك الكتلة التى تزعم أن معها الشرعية. بقيت نقطة أعتقد أنها غاية فى الأهمية وهى المقارنة بين استفتاء 2012 واستفتاء 2014، لأن الأول كان أكثر ايجابية فى نقطة واحدة وهى التنوع الذى خرج به والذى يقبله العقل الغربى، رغم صغر حجم المشاركة بالمقارنة بالأخير. فقد جاء استفتاء دستور الاخوان بنسبة 63% موافقة، مقابل 36% رفض، وهى نسبة إلى حد كبير تتفق والمنطق الانسانى والديمقراطي، رغم أن نسبة رفض دستور 2012 هى الأكبر على الإطلاق فى تاريخ الإنتخابات المصرية، مقابل أقل نسبة رفض حدثت فى التاريخ فى دستور 2014. المشاركة فى ذلك الاستفتاء الذى كان أشبه بمظاهرة تفويض ثانية، فاقت المشاركة ايضا فى استفتاء مارس الذى أداره مجلس طنطاوى وعنان، والذى بلغت اعداد المشاركين فيه 18.5مليون ناخب. نحن أمام شعب أدمن الثقة فى الجيش، ويحتاج إلى خطة واسعة وطويلة كى يثق فى نفسه أكثر، لكن بشرط أن تتوافر للخطة قيادة ترغب فى ذلك، وهى للأسف غير موجودة. نشر بعدد 684 بتاريخ 20/1/2014