«أستاذ عادل عاوزك».. دوت هذه العبارة في أذني كالرصاصة عندما نطق بها عبدالفتاح علي وكان وقتها في نهايات شهر ديسمبر 2000 سكرتيرا لتحرير «صوت الأمة» علي درجات السلم القصيرة الصاعدة إلي الطابق الثاني، حيث يسكن مكتبا رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة، لم تنقطع الأفكار كانت المرة الأولي التي أتحدث فيها إلي عادل حمودة رغم أنني أعمل بالجريدة منذ أربعة أشهر وكان صعبا علي وقتها التخيل كطالب حديث التخرج أن عادل حمودة الذي أقرأ مقالاته في الجريدة ولا أكاد أسمع صوته وهو يشير بيده أثناء صعوده المكتب في سلام متحفظ يمكن أن يتحدث معي أو يشرح لي أمرا..أو أسلوب اعتاد عليه كل خصوم «صوت الأمة» متصورين أننا بالتهديد سنتوقف عن السير في طريق اتخذناه منهجا، وهو البحث عن الحقيقية ونشرها أيا كانت بشاعتها أو قسوتها.. لقائي الأول مع عادل حمودة رغم أنني قابلته في مشكلة كان هادئا ومختلفا تماما عن لقائي الأول مع عصام إسماعيل فهمي رئيس مجلس الإدارة «شفاه الله» وعصام فهمي لمن لايعرفه رجل ابن بلد، جدع جدا وعنيد لأقصي درجة ولكنه مع ذلك واسع الأفق بشكل لايمكن تخيله، عشر سنوات عملتها مع هذا الرجل رغم أن أول مقابلة بيننا تأخرت جدا كانت بعد عامين تقريبا من عملي بالجريدة كنت وقتها أعمل في قسم الحوادث مع استاذ يندر وجوده في الصحافة وأتمني أن يعود لأولاده سالما من السفر هو محمود السمان وقتها في بدايات عام 2002 كانت فكرة اصدار ملحق متخصص في مجال السيارات قد اختمرت، كان هذا القطاع الاقتصادي يحتاج الي مطبوعات تتحدث عنه كانت صحيفتا الأهرام والأخبار قد بدأتا في اصدار ملحق متخصص للسيارات وتبعتهما صوت الأمة بعد شهرين وقتها وقع الاختيار علي لأكون مسئول الديسك واعادة الصياغة في ملحق بورصة السيارات الذي تصدره الجريدة وخلال الاعداد الاولي حدث أنني قمت باعادة الصياغة لمادة تحريرية خاصة بأحد مراكز الخدمة الخاصة بشركة سيارات وأخطأت في كتابة عنوان مركز الخدمة يومها قدم الي السكرتير يخبرني بأن رئيس مجلس الإدارة يطلبني صعدت إليه فبادرني بالسؤال: «انت ساكن فين» فأجبت ساكن في القناطر الخيرية، فقال لي: لو أنا جيت وكتبت في عنوانك إنك ساكن في اسكندرية يبقي صح ولا غلط؟ فأجبته «غلط طبعا» فاحتد قائلا: أمال انت كاتب العنوان غلط ليه؟ عصام فهمي شخص دقيق جدا في عمله ولديه قاعدة أساسية: أهم من الشغل ضبط الشغل ولذلك كان يتابع «شفاه الله» بنفسه كل كبيرة وصغيرة بالجريدة وسار علي نهجه أبناؤه الآن حلم واحد جمعنا كشباب وقتها في «صوت الأمة» أن يأتي اليوم الذي نستحق فيه أن نحمل لقب صحفي من أجل هذا كانت المنافسة قوية بها غيرة مهنية هذا حقيقي ولكن هذه الغيرة أبدا لم تكن تنعكس علي أي علاقات شخصية.. ثم كان الانفصال بين الكبار كان مبدئي هو المؤسسة ولهذا انتصرت للمؤسسة أنا لا أعمل مع اشخاص وانما أعمل في كيان كامل هل تعلمون أن هذا هو المبدأ الياباني في العمل، في اليابان يرتبط الشخص الياباني بالمكان أكثر مما يرتبط بالبشر.. وبدأت عهدا جديدا مع إبراهيم عيسي رئيسا للتحرير ووائل الإبراشي رئيسا تنفيذيا معه ورغم أن كلاً منهما تعلم في مدرسة عادل حمودة إلا أن لكل منهما مدرسته وفكره التي تختلف تماما مع سابقيه، إبراهيم عيسي يؤمن جدا بمدرسة الخبر لايكون موضوعك موضوعا صحفيا ما لم يأت بمعلومة يجهلها علي الاقل 80% من المصريين لأن هذه النسبة هي التي ستشتري الجريدة وجهة نظر وجيهة بينما يري وائل الابراشي أن التحقيق في الخبر الصحفي المقدم وتدعيمه بقدر أكبرمن المعلومات هو الذي يخلق نقطة تميز للجريدة عن غيرها من الصحف وهي وجهة نظر وجيهة أيضا. ولأن الدنيا قاسية دوما فقد كان الانفصال من جديد بين وائل الابراشي وعصام اسماعل فهمي ورحل الابراشي عن «صوت الأمة» ليتولي عبدالحليم قنديل المسئولية لأكتشف أن للحقيقة دوما أكثر عن صورة للتعبير عنها ويعلمني قنديل صحافة أخري وشكلا آخر للصحافة التي تستطيع أن تمس آلام المواطن وتعيش معه همومه وأحزانه وتطرح الأمل دوما في أن غدا قادم لاريب يحمل الامل ويجدد الحل. وتولي سيد عبدالعاطي خلفا لقنديل كان نموذجا حقيقيا للانضباط والالتزام هذا لايعني عدم انضباط سابقيه ولكنه يعني ببساطة أن هذا الرجل «إنجليزي» بكل معني الكلمة كل شيء عنده منظم ومرتب. وعاد إلينا الابراشي من جديد عاد ليكمل معنا الحلم ويصل معنا الي العدد رقم «500» نصف «باكو» من اعداد «صوت الأمة» حلم لم أكن شخصيا أتصور أن أصل اليه حلم «صوت الأمة» الذي أتصور أنه ولد ليستمر وليبقي. في ليلة ما كنت نائما وحلمت أنني أغطي زيارة الرئيس مبارك لأحد الامكان وبعد انهاء الجولة اندفعت نحوه وهو يركب طائرته الهليكوبتر ويستعد للاقلاع حاولت أن أتحدث معه وأحصل منه علي تصريح خاص ولكن الحرس الخاص به منعني بقوة ولكنه أشار إليهم وأشار الي بيده «تعال» وركبت معه طائرته الرئاسية حلم رأيته في نومي وبعد أن استيقظت سألت نفسي هل يمكن أن يأتي اليوم الذي أجري فيه حديثا صحفيا مع الرئيس؟