أتذكر يوم احتفلنا بتنحي مبارك. أتذكر هذا اليوم و كأنه بالأمس القريب. هذه الفرحة العارمة التي شعرت بها جموع الشعب المصري في الميادين إحتفالا بسقوط مبارك إن دلت علي شيء فهي و بالتأكيد تدل علي طيبة الشعب المصري و لا أريد أن أثير حفيظة البعض و أقول "سذاجتة". لقد كنا نعتقد أننا قمنا بالمعجزة و بكل بساطة محونا فساد 30 سنة في 18 يوم!.. و أخذنا نردد لأنفسنا عبارات الفخر "المصريين أهما" , "لقد أبهرنا العالم" , "لقد أتينا بما لم يأت به الأوائل" و غيرها من عبارات الفخر التي تربينا عليها و اعتدنا علي ترديدها منذ نعومة أظافرنا. ولم نكن ندري انها مجرد البداية. بداية مشوار طويل من الكفاح ضد صراع النظام الفاسد للبقاء. وراحت السكرة و جائت الفكرة. بدأنا ندرك بالتدريج أننا لم نقضي علي الفساد إنما أجبرناه علي الإختباء لفترة "قصيرة" ليعيد ترتيب حساباته و يعود إلي الساحة مرة أخري أكثر شراسة و أكثر عدوانا من ذي قبل. و هذه بطبيعة الحال من سمات الثورات المضادة. فهدفها هو الإنتقام ممن خرجوا من الجحور ليلقوا بهم في القبور. و توالت الصدمات واحدة تلو الأخري فبدأت بسلسلة البراءات المتوالية لقتلة الثوار مرورا بخروج مبارك من السجن و دخول رموز ثورة 25 يناير مكانهم. فالآن أصبح المستشار الخضيري أحد أشرس من هاجموا تزوير الإنتخابات في عهد مبارك و أحد أيقونات 25 يناير بأنه إنما ذهب للتحرير لا ليسقط مبارك بل ليعذب أحد المحامين!! لا أريد أن أن أسهب في الحديث عن والدي لسببين أولهما: أن حديثي عنه كوالد و قاضي يحتاج إلي كتب و ليس إلي بضع كلمات في مقاله. و ثانيهما أن شهادتي فيه مجروحة و قد يشكك البعض في موضوعيتي. و لكني اتعجب بالفعل ممن استطاعوا و بكل بساطة أن يمحوا من ذاكرتهم تاريخ كفاحه الطويل ضد الفساد و التزوير و استقالته من ارفع منصب قضائي إعتراضا علي عدم تنفيذ أحكامه، و مقالاته النارية دفاعا عن الحريات و ضد التوريث في أوج نظام العادلي و بطشة. كيف استطاع الناس نسيان كل هذا التاريخ الطويل ليختصروا القضية في هذة التهمة "السخيفة"، التي كما قال عنها المستشار أحمد مكي لا تتناسب مع سنه و لا تاريخه و لا اخلاقه. لا أخشي علي والدي من الإعتقال فهو بصحبة ثوار 25 يناير من شباب وهبوا حياتهم للدفاع عن حرية هذا الشعب العريق. إنه ثمن لا يمانع والدي من دفعه لقاء مستقبل أفضل لهذا البلد العريق. بل إنه يعتقد انه ثمن بخس بالمقارنة بتضحيات أكبر قام بها شباب فقدوا أطرافهم و أعينهم و آباء فقدوا أبنائهم. كما لا أخشي عليه من الإغتيال أيضا لأنه أعد العدة للقاء ربه الكريم الذي حرم الظلم علي نفسه. إن والدي علي يقين أنه سيجد لدي قاضي السماء العدالة و الرحمة التي يفتقدها بعض قضاة الأرض. و لكن أكثر ما أخشاه علي والدي -و أكثر ما يخشاه هو علي نفسه أيضا -هو إغتيال السمعة. فرغم صدمة اعتقاله التي صدمتنا جميعا الا اننا كأسرته نستطيع ان نجمع شتات انفسنا و نتعايش مع الموقف. و لكن ما لا نستطيع التعايش معه هو هذه الاتهامات بانهم وجدوا 22 مليون جنية بحوزته لحظة اعتقاله و غيرها من الاتهامات السخيفة. و كل ما استطيع ان اعلق به علي هذه الإشاعات هو "يااااااااااااااااريت"، و هل من بحوزته هذا المبلغ يضعه في جيبه أو تحت البلاطة؟! رسالتي الأخيرة إلي أعداء والدي" أرجوكم".. لا لتشويه السمعة". لقد اعتقلتوه و هو الآن بحوزتكم فعلي الأقل اتركوا لنا حب الناس و احترامهم له. اتركوا لنا سمعته الطيبة و سيرته العطرة نزهوا بها و نفتخر و نحدث بها احفاده. فهي الشيء الوحيد الذي أفني عمره في بنائه و حرص عليه كل الحرص تماما كحرصكم علي كراسيكم و أموالكم. و رسالتي إلي كل المصريين, "إنها مجرد البداية".