وكيل تعليم الغربية: منع استخدام العصا في الفصول الدراسية    الضبعة مستقبل الطاقة.. كيف يعيد الحلم النووي رسم ملامح الصناعة؟    استقرار سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري ختام اليوم 14 أكتوبر 2025    "الرئيس السيسي أنقذ القضية الفلسطينية".. هاشتاج يتصدر منصة "إكس"    منتخب مصر للهوكي يواصل الصدارة رغم التعادل مع جنوب أفريقيا    تشكيل منتخب إسبانيا لمواجهة بلغاريا في تصفيات المونديال    قمة شرم الشيخ للسلام    إصابة 11 شخصًا في تصادم سيارتين بقنا    السجن المشدد 3 سنوات ل متهمين بالتزوير في المنيا    إنستجرام: حماية المراهقين بقصر مشاهداتهم على المحتوى بي جي-13    عمرو سلامة يقرر مقاضاة إحدي شركات الإنتاج    هل شراء شقة عبر البنك يُعد ربا؟.. أمين الفتوى يوضح    أكثر من شرب الماء.. 5 عادات تحافظ على صحة الكلى وتقوّيها    عضو "النهضة" الفرنسي: ماكرون مقتنع بأن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لترسيخ السلام    من «اللايف» لقفص الاتهام.. سوزي الأردنية تواجه المحاكمة لنشرها محتوى فاضح (القصة الكاملة)    سعر مواد البناء مساء اليوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025    مدير مكتب تأهيل الخصوص في تزوير كروت ذوي الإعاقة: «طلعتها لناس مكنش ليهم محل إقامة عندي» (نص التحقيقات)    الجامعة الأمريكية تنظم المؤتمر ال 19 للرابطة الأكاديمية الدولية للإعلام    طريقة عمل شيبسي صحي في المنزل.. بدون أضرار    في هذا الموعد.. محمد فؤاد يستعد لإحياء حفل غنائي ضخم في بغداد    خبر في الجول - الزمالك يعتذر عن عدم المشاركة في البطولة العربية لسيدات الطائرة    تضامن الشرقية: استمرار متابعة مشروعات التمكين الاقتصادى بقرى جزيرة سعود    ارتفاع عدد الوفيات بين تلاميذ تروسيكل أسيوط ل5 أطفال    مواصفة امتحان مادة الدين فى اختبارات الشهر للمرحلة الابتدائية    تناولت مادة مجهولة.. مصرع طالبة في الصعايدة بقنا    أرقام تفصيلية.. إطلاق سراح 3985 أسيرا فلسطينيا خلال صفقات التبادل    السويد تقيل مدربها جون دال توماسون بعد هزيمة كوسوفو    نادي أدب البادية يواصل فعالياته في بئر العبد في شمال سيناء    ميريهان حسين: «أصور فيلم جديد مع هاني سلامة.. واسمه الحارس»| خاص    نقابة الموسيقيين: مصر راعية السلام فى المنطقة ودرع منيع للحق والعدالة    لطيفة: شكرا للقائد الحكيم فخر الأمة الرئيس السيسى فى إنجاز هذا الحدث التاريخى    عاهل الأردن يبحث تعزيز التعاون مع إيطاليا وهنغاريا وسلوفينيا خلال جولة أوروبية    برشلونة يعلن إصابة ليفاندوفسكي وغيابه لمدة 6 أسابيع    وكيل شباب ورياضة الجيزة يتابع تطوير مركز شباب الديسمي لخدمة المتضررين من السيول    زيادة ربع مليون نسمة في تعداد سكان مصر خلال 60 يومًا    موقف البنك الأهلي من رحيل أسامة فيصل للقلعة الحمراء    موعد صرف مرتبات شهر أكتوبر 2025 يبدأ يوم 23 الشهر الجاري    مكاسب مالية وحب جديد.. الأبراج الأكثر حظًا نهايات عام 2025    ب36 شخصية رفيعة.. قارة آسيا تتصدر الحاصلين على قلادة النيل    احتفالا بذكرى انتصارات أكتوبر.. الرقابة الإدارية تنظم ندوة حول مكافحة الفساد ببورسعيد    «تحيا مصر».. «دكان الفرحة» يفتح أبوابه ل5000 طالب وطالبة بجامعة المنصورة (صور)    دار الإفتاء توضح حكم ارتداء الأساور للرجال.. متى يكون جائزًا ومتى يُمنع؟    كامل الوزير يسلم شهادات التحقق من تقارير البصمة الكربونية ل6 شركات محلية    دار الإفتاء توضح حكم تنفيذ وصية الميت بقطع الرحم أو منع شخص من حضور الجنازة    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في الشرقية    «الصحة» تنظم يوما علميًا للتعريف بالأدلة الاسترشادية بمستشفى المطرية التعليمي    ماكرون: الأسابيع والأشهر المقبلة ستشهد هجمات إرهابية وزعزعة للاستقرار    المدرب العام للمنتخب: شريف ليس في حساباتنا.. ونحتاج للاعب يخلق الفرص لنفسه    مدرب المنتخب: وارد انضمام السعيد لأمم أفريقيا.. ولا توجد أزمة مع إمام عاشور    وفد رفيع المستوى من مقاطعة جيانجشي الصينية يزور مجمع الأقصر الطبي الدولي    وكيل صحة المنيا يفاجئ وحدة أبو عزيز ويحيل طبيبة للتحقيق بسبب الغياب    القائمة الوطنية تتقدم بأوراق ترشحها لانتخابات النواب اليوم    الحركة الوطنية: قمة شرم الشيخ نقطة تحول استراتيجية.. وتأكيد على ريادة مصر    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض في درجات الحرارة وفرص ضعيفة لأمطار خفيفة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في محافظة الأقصر    إثيوبيا ترد على تصريحات الرئيس السيسي: مستعدون للانخراط في مفاوضات مسئولة    هبة أبوجامع أول محللة أداء تتحدث ل «المصري اليوم»: حبي لكرة القدم جعلني أتحدى كل الصعاب.. وحلم التدريب يراودني    «زي النهارده».. وفاة الشاعر والإعلامي واللغوي فاروق شوشة 14 أكتوبر 2016    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللعب بالنار فى الدستور
نشر في صوت الأمة يوم 06 - 12 - 2013

هذا تحذير أخير للجنة إعداد الدستور المصرى التى تنهى عملها خلال أيام، موضوع التحذير صريح ومباشر، وهو نسب التمييز الإيجابى أو «الكوتة» للأقباط والنساء والشباب، والتى اقترحها بعض الأعضاء وبعض العضوات، ودون أن يدركوا أنهم يلعبون بالنار، ويذهبون بالبلد إلى كارثة عنوانها «تقسيم مصر» بنصوص هجينة فى الدستور .
وقد ذهب الخبل العقلى بإحدى العضوات إلى اقتراح غاية فى العجب، فقد اقترحت «كوتات» لما أسمته الفئات المهمشة والضعيفة، ووصلت بنسبة «الكوتات» إلى نصف أعضاء البرلمان، وتصورت تكوينا لبرلمان لاسابقة له فى التاريخ الإنسانى، نصف أعضائه من المهمشين، والنصف الآخر من الأساسيين، وكأن الأصل قد يصح أن يتساوى مع الفرع فى أى تصور ذهنى سليم، بدا التصور كفضيحة عقلية قبل أن يكون فضيحة دستورية، وقد حاولت السيدة الموقرة التخفى بالفضيحة من وراء ستار، وحشرت نسبة لم تحددها للعمال والفلاحين، لكن ما ألح على ذهنها أكثر كان ضمان مقعد فى البرلمان لسيادتها، أو لمثيلاتها من سيدات المجتمع المخملى الثرثارات الفارغات، فقد أرادت ضمان «كوتة» للنساء، ووصلت بها إلى عشرين بالمئة من مجموع أعضاء البرلمان، وأرادت ضمان نسبة «ملاكى» للشباب، وزادت الطين بلة بمغازلة الشعور الطائفى، وإظهار الرغبة فى حجز «كوتة» للأقباط أقلها عشرة بالمئة من أعضاء البرلمان، وحين رأت العضوة الموقرة أن النسب المقترحة قد لا تخاطب الغرائز الطائفية والفئوية كلها، وأن فئات أخرى قد تريد «الكوتة الملاكى»، وأن ممثل المعاقين جسديا يطالب هو الآخر بنسبة فى التمثيل البرلمانى، فيما يطالب النوبيون بمقاعد محجوزة، وقد يتحمس البدو والسيناويون و«الأمازيغ» فى واحة سيوة لإغراء الأخذ بنصيب من كعكة التقسيم، وهكذا اتسع الخرق على الأخت الراتقة، وهو ما جعل العضوة الموقرة تستعين بخبرات ومناورات السيد عمرو موسى رئيس لجنة الدستور، وبغيره من كبار الترزية، ولكى يستبدلوا التعميم بالتخصيص، ويدبجوا مادة انتقالية فى الدستور، تلزم المشرع بالتمييز الإيجابى أى «الكوتة» للشباب والنساء والأقباط والعمال والفلاحين، وبدا أن الاقتراح قد يخدع السذج وذو النيات الحسنة، وقد يكسب التصويت فى لجنة الدستور بأغلبية أعضائها المخدوعين، وهذه هى الكارثة الكبرى، والتى قد تطيح بالدستور فى الاستفتاء الشعبى، وتقدم خدمة مجانية للمتربصين من جماعة الإخوان وغيرهم، وتغرى برفض دستور الطوائف، والذى يصنع ما قد يوصف شعبيا ببرلمان «النصارى والستات» (!) .
وبعيدا عن دعاوى التربص، وحيل الدعاية المضادة لخطة الانتقال السلس إلى حكم ديمقراطى، بعيدا عن هذا كله، فإن تأمل مغزى اقتراحات «الكوتة»، وفهم ما تؤدى إليه، يجعل رفض الاقتراح المدمر فريضة وطنية وديمقراطية، وأسباب الرفض كثيرة، أولها أنها أى الاقتراحات الشاذة تخلق برلمانا يزور صورة البلد، فمن فضائل مصر العظمى، هذا التجانس فى تكوينها الثقافى والحضارى والسكانى، والذى يجعلها كقبضة يد لا تفض، فالمصريون ليسوا عرقا بذاته، المصريون حالة انصهار تاريخى فريد، وما من أقليات ولا طوائف فى مصر، صحيح أن المسيحيين عددهم أقل بما لا يقاس إلى أعداد المسلمين المصريين، لكن المسيحيين على قلة العدد ليسوا فى وضع الأقلية ولا الطائفة المنفصلة، فلا اختصاص جغرافى بعينه لوجود المسيحيين المصريين، وهم ممتزجون فى التوزيع السكانى وسط أقرانهم من المسلمين، ولا يوجد حى ولا منطقة يصح القول إنها مقصورة على المسيحيين، ولا أن لهم غالبية سكانية فيها، وغياب الاختصاص الجغرافى جعل التمايز الثقافى شبه معدوم، وكلنا يتذكر محاولات اللورد كرومر معتمد الاحتلال البريطانى للتلاعب بورقة المسيحيين قبل قرن من الزمان، وتدبير افتراق طائفى يجعل المسيحيين فى خانة دعم قوات الاحتلال، وبدعوى وحدة دين المحتلين مع دين المسيحيين المصريين، ورغم الذكاء المفرط للورد كرومر، أو ربما بسبب هذا الذكاء بالذات، فقد أدرك استحالة المهمة، وانتهت محاولاته إلى خيبة ثقيلة، عبر فيها الرجل عن دهشته لما رأى، فلم ير كرومر من فارق يذكر بين المسلمين والمسيحيين المصريين، سوى أن المسلم يذهب للمسجد، بينما يذهب المسيحى إلى الكنيسة وقت الصلاة، وهو ما يفسر سلوك نخبة المسيحيين المصريين فى ثورة 1919، والذين رفضوا بحزم أى محاولات لاستدراجهم إلى خطيئة وطنية، وذهب دعاتهم كالقمص سرجيوس ليخطب فى الجامع الأزهر، وكانت صيحتهم الكبرى تقول «ليمت المسيحيون وتحيا مصر»، كان الدرس جليلا عظيما، ويثبت امتياز وتفوق وتفرد الوطنية المصرية، فالوطنية المصرية سبيكة انصهار تاريخى نادر، وهو ما يفسر الوحدة الراسخة للتكوين المصرى، فقد تغيرت اللغة، وتغير الدين الغالب مرات، لكن مصر لم تنقسم جغرافيا أبدا، وقد تكالب عليها المحتلون والغزاة من كل صنف ولون، لكنها ظلت قائمة فى حدودها التاريخية التى لم تتغير أبدا، ولم تقم فيها حرب أهلية واحدة على مدار عشرات القرون، فمصر الحالية هى مصر التى صنعها الملك «مينا» موحد القطرين، وفى لحظات الضعف، قد تنشأ حالات توتر واحتقان طائفى، لكن مصر تعود فتسترد عافيتها، مهما طالت عهود المرض، وتتفتح فيها ورود الازدهار والامتزاج الوطنى لحظة صعود الثورات، وهو ما يفسر رفض المسيحيين المصريين لمبدأ «الكوتة» فى دستور 1923، ويفسر المقولة الخالدة لمكرم عبيد أشهر سياسى مسيحى مصرى فى القرن العشرين، كان مكرم يقول ببساطة «أنا مسيحى دينا مسلم وطنا»، وظل التقليد الوطنى أصيلا فى تكوين الكنيسة المصرية، وهو ما يفسر صحوة الروح التى تداعت مع وقائع الثورة المصرية المعاصرة، وبموجاتها المتلاحقة من 25 يناير 2011 إلى 30 يونيو 2013، والتى بدا فيها البابا تواضروس الثانى رأس الكنيسة عنوانا ساطعا للوطنية المصرية، فلن ينسى المصريون ابدا صيحته الوطنية بعد إحراق الإرهابيين المجرمين لعشرات الكنائس، فقد قال البابا بوضوح قاطع بليغ «كنائسنا فداء لمصر»، ورفض البابا مبدأ «الكوتة» لتمثيل الأقباط، ثم حاولت أصوات طائفية التشكيك فى موقف البابا، وتناست أن مبدأ «الكوتة» يهدم مبدأ المواطنة والمساواة، وأن تخصيص «كوتة» قد ينظر إليه كامتياز يقيد حرية الاختيار، وقد يثير الحفيظة ضد الأقباط، ويشعل دورة جديدة من التوتر والاحتقان الطائفى، ويثير جدالا لا ينتهى حول نسبة الأقباط سكانيا، ومدى تناسبها مع نسبة العشرة بالمئة المقترحة للأقباط، بينما طريق «الاندماج الوطنى» هو الأسلم لمصر كلها بما فيها أقباطها، واسترداد مبدأ المواطنة هو الكفيل بنيل الحقوق الطبيعية، فقد تزايدت موجات خروج المسيحيين من وراء أسوار الكنيسة مع موجات الثورة المتلاحقة، وعكس التطور نفسه فى انتخابات النقابات المهنية بعد الثورة، تغير المزاج تدريجيا، وزادت رقعة تقبل الناخبين المسلمين لمبدأ التصويت لمرشحين مسيحيين، وهو ما يفسر فوز د. منى مينا بعضوية مجلس نقابة الأطباء الذى يهيمن عليه الإخوان، وهو ما كان فرضا مستحيلا قبل الثورة، وكذلك جرى فى انتخابات نقابة الصحفيين الذى يهيمن عليه الناصريون، وفازت الزميلة حنان فكرى، ولاحظ أن منى وحنان قبطيتان وامرأتان أيضا، وهو ما يثبت فساد مبدأ «كوتة» النساء، فالعمل الدءوب فى أوساط الناس هو الذى يكسب الثقة ويضمن الفوز، وليس التحصن وراء «كوتة» مصنوعة للنساء، وعلى الطريقة التى جرى تجريبها فى برلمانى 1979 و2010، ولم ينجح التمييز الإيجابى أبدا فى حفز المجتمع لتقبل مبدأ التصويت للنساء، فهذه ليست طريقة مضمونة الأثر فى مواجهة التخلف الاجتماعى، والمطلوب: ناشطات حقيقيات فى المجتمع لا على شاشات التليفزيون أو فى قاعة لجنة الدستور، ثم إن حشر قضية الشباب فى دعاوى «الكوتات» اللقيطة لا معنى له، فالشباب عماد المجتمع والثورة، وإفساح الطريق للشباب لا يكون بغير خفض سن الترشح وتبنى نظام القوائم الانتخابية النسبية غير المشروطة .
هذا هو الطريق الديمقراطى الذى يليق بمصر، وليس اقتراحات الكوتات اللقيطة، والتى تفتت مصر سكانيا وفئويا، وتصنع دستورا طائفيا، وتفتح علينا أبواب الجحيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.